بقلم: كمال فتاح حيدر ..
في خمسينيات القرن الماضي كانت المقررات الدراسة تأتينا من مصر، وكانت هي المعتمدة في مدارسنا العراقية، وكان شعار وزارة المعارف مطبوعاً في اذهاننا، على شكل (فنار)، أو منارة تشع من أرض الكنانة، وتفيض بالعلوم والفنون والآداب، فقد ارتقت مصر بحضارتها وأخلاقها منذ القدم، حتى تسامقت مناراتها لتضيء ظلام البلدان العربية كلها. .
كانت مصر في خيالنا يومئذ دنيا المعجزات. فيها العجائب، وكل مرغوب فيه. تأتينا منها: المجلات والصحف والأفلام، وتنبثق منها الحركات الفكرية والوطنية، والرجال الذين نقرأ لهم، والشعراء الذين نحفظ شعرهم، ثم توهج نورها في الستينيات وما بعدها، فتعالت في الآفاق بشوامخ الأدب والفن، وكان لهم الفضل الكبير في ولادة أجيال من النخب العلمية والثقافية والسياسية في ديار الشرق والغرب، لكن المؤسف له ان تلك الفنارات مهددة الآن بالضمور والانطفاء، وربما تصبح عاجزة عن مواصلة النهوض بمهامها الحضارية والتثقيفية والتوعوية بظهور غربان متهتكة من الشخصيات الكارتونية، التي تتصدر الآن الفضائيات، من أمثال الغراب المتهور: (مرتضى منصور)، ومن كان على شاكلته، فقد تسبب هذا الغراب في التعتيم على مصابيح مناراتها، وذلك بإطلاقه شتائمه البذيئة ضد الأدباء والفنانين والرياضيين والسياسيين والمفكرين، وبعبارات سوقية خادشة للحياء ومسيئة للأعراض، فتغيرت تلك الصورة الجميلة التي انطبعت في ذاكرة الاجيال العربية عن مصر ورجالها وعمالقتها وفرسانها وروادها، وتلاشت مؤقتاً بشتائم مرتضى منصور، وصار هو الذي يتصدر المشهد اليومي بإساءاته المتكررة للشعب المصري الكريم، مستهدفاً سمعة مصر وهيبتها. ولم يعد لدينا أي مجال للمقارنة بين صورتها المشرقة قبل عام 2000 وصورتها الحزينة بعد عام 2000. .
فالخاسر الأول في حملات اللغط والثرثرة هو الشعب العربي، الذي تغذى على رحيق مصر، وارتوى من نيلها، وطاف في غيطانها. وستبقى مصر أم الدنيا، وأم الشعر والشعراء، وأم الربوع الخضراء، وأم الفقه والفقهاء، وأم العلم والعلماء، وأم المواقف الإنسانية المشهودة. .
يؤلمنا ان نرى هذا الغراب ينهش جسدها بأسلوبه السوقي المُبتذل، ويحزننا ان نراه يواصل غاراته الموتورة ضد علماء مصر، وأشراف مصر، وسادة مصر، وعباقرة مصر، وأبطال الرياضة في مصر من دون ان توقفه لجنة الانضباط، ومن دون ان يلجمه المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام، ومن دون ان يحاسبه القضاء، أو يستدعيه البرلمان. .
ختاماً: أملنا ان تبقى مصر شامخة بقوة شعبها الأبي، وطيبة اهلها، ودماثة اخلاقهم العالية، وقلوبهم النقية، وإيمانهم الراسخ، وارواحهم المرحة، ومواقفهم الصادقة. أملنا أن لا يعكر مزاجها معتوه، ولا يزعجها متهور، ولا يشتمها فاسق، ولا ينكر أفضالها جاحد. . .