بقلم: كمال فتاح حيدر ..
إلى أي مدى يمكننا الوثوق بمصداقية مراجعها التاريخية ؟. . سؤال مهم يفرض نفسه في ظل المواقف المتذبذبة التي نراها الآن للكتاب المعاصرين الذين تعمدوا قلب الحقائق وتشويه صورة الواقع الذي نعيشه الآن بكل تفاصيله المملة. ترتسم على وجوهنا علامات الدهشة والاستغراب، وتتدفق إلى اذهاننا التساؤلات التالية، ولا ندري كيف نصدق ما كتبه المؤرخون قبل عشرات القرون ؟، وكيف نثق بمؤلفاتهم التي دوّنوا فيها الأحداث بعد مرور مئات السنين على وقوعها ولم يشهدوها بانفسهم ؟، بينما تتضارب الآن مواقف الكتاب والمدونين في تقييم الزعماء الذين شهدنا مراحل حكمهم، وتجرعنا ظلمهم غصة بعد غصة، وكنا من ضحاياهم منذ يوم استيلائهم على السلطة بالقوة وحتى رحيلهم إلى مزابل التاريخ بالقوة. وأحياناً نتلقى الصدمات من ابناء البلدان الذين تعرضوا لغزوهم وبطشهم وعدوانيتهم، فنراهم يتحدثون عنهم بكل خير، ويشيدون بمواقفهم العدوانية، ويتغنون بامجادهم على الرغم من تعرضهم للقصف والاجتياح بالدبابات والطائرات والمدفعية الثقيلة. .
تحدث هذه التناقضات أمام أعيننا، فنقرأ الكتابات ونسمع اللقاءات المتقاطعة مع واقعنا المؤلم. .
خذ على سبيل المثال: (صدام حسين) الذي اجتاح دولة الكويت واستباح مدنها، ودمر بنيتها التحتية، وأضرم النيران في حقولها النفطية، بينما نسمع تصريحات بعض الكويتيين المتعاطفين معه يشيدون به ويتغنون ببطولاته. .
ومثال آخر يقدمه لنا الأديب والاعلامي العراقي الراحل (عباس الجنابي)، الذي كان سكرتيرا لعدي صدام حسين، وتعرض على يد (عدي) لأبشع أنواع التعذيب والتنكيل، وكان (عدي) يتعمد إذلاله وإهانته، ما أضطره للهرب والفرار من بطشه، لكن (عباس) هذا ظل يثني عليه، ويشيد به في كتاباته التي نشرها بعد وفاة عدي بسنوات. فتخيل ما الذي سيقوله المؤرخون عن هذه الحقبة بعد تعاقب الأيام والسنوات، سوف يأتي من يذود عن هؤلاء على الرغم من دمويتهم ومواقفهم الإجرامية. فما بالك بالصفحات القديمة التي كتبوها عن الحجاج ويزيد الذين رجموا الكعبة بالمنجنيق، واستباحوا المدينة المنورة ثلاثة أيام، وقتلوا الصحابة وانتهكوا المقدسات ؟. .
اما إذا كان المؤرخ يميل إلى ديانة معينة، أو ينحاز إلى طائفة ضد طائفة أخرى فمن المؤكد انه سيدوّن الوقائع على هواه وبالطريقة التي تتناغم مع عقيدته. .
قبل بضعة أيام سمعت احد المشايخ يتمنى ان يكون نعالا في أقدام احد الطغاة (لا نريد ذكر اسمه حتى لا يزعل الموالون له). ومن المرجح ان هذا الشيخ، أو من كان على شاكلته سيتناول الأحداث بصورتها المعكوسة. فما بالك بما جرى من تزوير وتحريف وتزييف وحذف وإضافة عبر تقلبات العصور والدهور ؟، فالمؤرخ في كل الاحوال مخبوء تحت قلمه. . .