بقلم: سمير داود حنوش ..
لم يُفلح السابقون وحتى اللاحقون في إنصافهم، لايُعرف سبب عداء السلطة وحرمانها لهم وحتى إنتقامها منهم، ربما لإنها تتذكّر فيهم الوطن الذي أفنوا سنوات شبابهم في بنائه، ذلك الوطن الذي تكرهه السلطة لأنه ليس سوى مجرد شركة بالنسبة لها توفر أرباحاً للسياسي توضع في جيبه الخاص أو بحساباته في المصارف والبنوك.
شريحة تعيش على الهامش، تسمى المتقاعدون كُتب لها أن تتنفس على أرضٍ جرداء من حقوق الإنسانية وتنعدم بها الرأفة بكبار السن، خصوصاً أولئك الذين ذابت زهرة شبابهم في بناء هذا الوطن.
المتقاعدون الذين دائماً ما تتنكّر السلطة لحقوقهم بعد أن إستوفوا واجباتهم في العمل، تقف عاجزاً عن الإجابة لسؤال يراود العقول وهو هل يُعقل في بلد يحكمه الإسلام السياسي الذي يضع الدين والشريعة منهاجاً لعمله في إنكار حقوق هؤلاء من كبار السن والمرضى الذين لم يبخسوا على بلدهم حتى بسنوات شبابهم؟.
كثيراً منهم بات اليوم يتسوّل في شوارع بغداد بعد أن بخست السلطة حقوقهم وسلبتهم الدرجات الدنيا من العيش الكريم، لماذا تكرههم السلطة؟ لا أحد يستطيع الإجابة سوى أن الوطن والوطنية مفهوم نسبي لكلا الطرفين.
السلطة التي تحكم في العراق بعد عام 2003 كانت تعيش في بلاد الضباب وبتلك الشوارع النظيفة، كان من المُفترض أن تتعلم حقوق الإنسان ورعاية هذه الشريحة وأن تستنسخ تجارب الآخرين في معاملة المتقاعدين وإعطائهم حقوقهم وتوفر لهم كل مستلزمات الراحة والإستقرار المعيشي لما تبقّى من سنوات حياتهم، لكن الغريب إن حكام العراق كانوا نقمة على المتقاعدين وأعداء لهم، ربما لأن المتقاعد وكما يعتقدون من بقايا النظام السابق.
في بلد مثل العراق يمكنك أن تعتاد المتناقضات والغرائب وأن تتعوّد على العجائب، فما يقال عن راتب البرلماني أو المسؤول المتقاعد (المليوني) مثلاً الذي لم تتجاوز خدمته بضعة أشهر يتناقض مع راتب المواطن الإعتيادي وحتى بدرجاته الدنيا الذي لا يكفيه رغيف الخبز لعائلته.
المتقاعدون الذين لا سلطة لهم على من بيدهم السلطة ليسوا سوى دعايات إنتخابية أو هتافات يتم التلويح بها عند إقتراب موعد الإنتخابات أو في مناسبات الحماس الوطني.
يتحدثون عن حقوق الإنسان في بلد يرفع شعار علي بن أبي طالب “لو كان الفقر رجلاً لقتلته”، لنستنتج في النهاية أنها مجرد شعارات وإكذوبة السلطة في الخداع والتضليل.
أصحاب الشيبة البيضاء فقدوا الثقة بنظامهم السياسي الذي يتعالى على حقوقهم ويرفض إنصافهم بعد أن وجدوه سبباً في تجويعهم.
شريحة يبلغ تعدادها أكثر من أربعة ملايين مواطن يجري معاقبتهم بعيداً عن كل الأعراف الإنسانية والأخلاقية والحدود الدنيا لمن قدّم خدماته للبلد، في جريمة لا توصف بأقل من جرائم الإبادة الجماعية التي مارستها النازية والأنظمة الديكتاتورية، لذلك لم يعد سوى حل يُنصِف تلك الشريحة وهو تدويل قضية المتقاعد العراقي في أروقة مجلس الأمن الدولي أو حتى التلويح به في منظمات حقوق الإنسان أو منظمات أخرى يصعب الحديث عنها لكي لا يدخل الحديث من باب المحتوى الهابط ذلك الذي كثُر الحديث عنه وإشتدت الرقابة عليه، في حين إن السلطة لا تُدين نفسها في ذلك المحتوى عندما تجعل مَن سُرِقت منه أحلى سنوات حياته متسولاً على أرصفة شوارع بغداد وأزقتها للإستجداء وهي تتفرّج عليه، وذلك هو المحتوى الهابط الحقيقي الذي يتحدثون عنه.