بقلم: د. كمال فتاح حيدر ..
انطلقت مدافع الإفطار في السودان من فوهات الدبابات بالذخيرة الحية لتعلن عن موعد الافطار في محيط المنطقة المحصورة بين العاصمة الخرطوم ومدينة أم درمان. حيث اصبحت أصوات المدافع أعلى عشرات المرات من أصوات العقل، فالحديث الآن حديث البنادق ودخانها المتصاعد بين الطرفين المتقاتلين الصائمين، وداخل المدن والأحياء السكنية. .
قوتان عسكريتان منفصلتان. إحداهما تمثل الجيش السوداني التي تستمد قوتها من موارد الدولة، والأخرى تمثل قوات الدعم السريع التي تستمد قوتها من مناجم الذهب. واصبحت البلاد كسفينة معطوبة يقودها الآن أكثر من ربان في مياه النيل الجارفة، وكان الله في عون الشعب السوداني الذي فقد أمنه واستقراره، وضاق ذرعاً منذ عشرات السنوات بديكتاتورية العسكر، في دولة غاب فيها الوعي السياسي، وتشتت بين القوى العسكرية المتنافسة على السلطة، في حين غابت أصوات العقلاء السودانيين، ووقفت القوى العربية مذهولة إزاء هذا الصراع الداخلي المحزن،
فالقتال الرمضاني يتفجر الآن بين أبناء الوطن الواحد، في حرب داخلية ليس فيها رابح، فالرابح في هذه الحرب هو الخاسر، ولا جدوى من تفعيل لغة الحوار بين الجنرالات وقادة الأفواج المدرعة،
اكثر من 40 مليون سوداني يراقبون المواجهات الدامية بين الاخوة الأعداء، ويتساءلون لمن ستكون الغلبة ؟، وكيف ستكون نهاية المناوشات بين دبابات ومدافع الطرفين ؟، وهل ستنتهي بتجزئة البلاد وتقسيمها ؟، وهل ستأتي الحلول عن طريق الاشتباكات والقصف الجوي ؟، وهل هذا هو المستقبل الواعد الذي كان ينتظره الشعب السوداني ؟، وهل ستصل التداعيات المخيفة إلى تدخل قوات خارجية لمناصرة احد الأطراف ضد الآخر، أو تدخل قوات أممية لإحلال السلام ؟. .
اللافت للنظر ان القتال الداخلي الذي يجري بين القوات المسلحة السودانية ضد بعضها البعض، هو نسخة طبق الاصل عن الصراع الداخلي المسلح بين الطرفين المتصارعين في ليبيا، وهو أيضاً صورة معدلة من صور القتال السوري بين المعارضة والنظام، وربما تنتقل عدوى القتال الداخلي إلى بلدان عربية أخرى سيما القوى السياسية تخوض صراعات ومواجهات مصيرية من نوع آخر. .