بقلم: د. كمال فتاح حيدر ..
بداية وقبل التوغل في صلب الموضوع لابد من الإشارة إلى ان هذا الموضوع لا يخص دولة بعينها، وإنما يخص بلدان الشرق الاوسط كلها باستثناء الخليجية منها. .
فكل الرسوم والضرائب والإتاوات والاكراميات التي يدفعها التاجر (راضياً أو مضطراً) يأخذها بعد توريد بضاعته من جيب المواطن، بمعنى آخر ان المواطن القابع في بيته، والذي لا علاقة له بإجراءات الاستيراد، هو الطرف المتضرر من كل الصفقات التجارية المثقلة بالرسوم والهموم والإتاوات التي يُرغم التاجر على دفعها صاغراً من الباب إلى المحراب، ومن المنفذ الحدودي إلى رفوف الدكاكين الصغيرة التي يتعامل معها المواطن في مدينته. فالتاجر لا يخسر شيئاً في الحسابات النهائية، لأنه يضيف المدفوعات الإجمالية إلى سعر السلعة التي يشتريها المواطن من الدكان القريب من منزله. .
ولكل تاجر حكاية مأساوية معلومة، يعلمها العاملون في الموانئ، والعاملون في المنافذ الحدودية، وفي المراكز الجمركية، وفي شبكات الموازين الجسرية، وفي السيطرات المنصوبة على الطرق الخارجية بين المحافظات، وفي كل خطوة تخطوها المركبات المحملة بالبضائع المستوردة، اما إذا كانت البضاعة المستوردة من صنف المواد الغذائية فان للجان الصحية حصتها من الكعكة الناضجة بنكهة الاغتصاب الاقتصادي. .
لكل لجنة تسعيرتها، وهديتها وإكرامياتها وهي محسوبة ومعروفة، يدركها كل تاجر، ويضعها في حساباته قبل الشروع بالاستيراد، لكنه يضيفها إلى قيمة البيع بالجملة وبالمفرد حيثما يكون المواطن مرغما على الشراء، فالمواطن هو الذي يسدد خسائر التاجر من جيبه ومن راتبه التقاعدي المحدود، وهذه الحقيقة تعلمها الاطراف الراشية والمرتشية، وتعلمها المنظمات الاجتماعية المتفرجة على هذا المنظر المعروض أمامها بالالوان الطبيعية. .
لا شك ان هذه الظاهر غير موجودة البتة في البلدان الخليجية، حيث تجري إجراءات التصدير والاستيراد على الوجه الاكمل، وبتسهيلات مغرية ومشجعة، وبمرونة تامة، وبدعم حكومي يفوق التصور، حيث لا وجود للسيطرات والإتاوات والإكراميات والكومشنات. شعارهم: (نحن في خدمة الجميع). وشهدت موانئهم على مدار السنوات الماضية نمواً لافتاً بالطول والعرض، وتوسعت شراكاتها الاستراتيجية، لتصبح روافداً رئيسية لتمكين التجارة والتحوّل الصناعي والتنوع الاقتصادي. . .
ربنا مسنا الضر وأنت أرحم الراحمين . . .