بقلم : فالح حسون الدراجي ..
عندما أطلق المطرب الشعبي المصري عبد الرحيم شعبان (شعبولا) أغنية ” انا بكره اسرائيل” قبل ثلاثة وعشرين عاماً، لم يكن وقتها أحد يعرفه أو يسمع به بالمرة.. ولأن الساحة العربية كانت آنذاك ساخنة بالقضايا اللاهبة، ومن بينها اندلاع الإنتفاضة الفلسطينية الثانية، ولأن كلمات الأغنية بسيطة، ولحنها مميز، نالت تأييداً وتعاطفاً شعبياً واسعاً.. حتى أن الفنان عادل أمام، أعاد غناء لازمتها، مترنماً : (أنا بكره اسرائيل) في فيلمه الشهير: (السفارة في العمارة)، فكانت إضافة مفيدة وجميلة دون شك..
لقد احدثت هذه الأغنية البسيطة ضجة كبيرة داخل مصر وخارجها، ولم يتوقف صداها حتى هذه اللحظة، كما تسببت في جدل كبير وصل الى أعلى المستويات السياسية، والدبلوماسية العربية والدولية أيضاً، لاسيما بين الفريق المعارض للتطبيع، والفريق المؤيد له، رغم أن الفريق المؤيد للتطبيع في مصر وخارجها لم يكن كبيراً أو ذا تأثير في الشارع المصري والعربي، لكن بعض الصحفيين الذين رعاهم السادات شنوا حملة على شعبولا في الاعلام المصري، بداعي الكراهية ومحاولة تخريب (السلام ) مع اسرائيل !!
ويقال ان شعبولا وأغنيته تعرضا أيضاً الى حملة اعلامية معادية في (تل أبيب)، لكن السفارة الاسرائيلية في القاهرة (نعت) شعبولا في الثالث من كانون الاول عام 2019، بتغريدة مواساة للشعب المصري بوفاة المطرب (الذي وصفته بالموهوب) عبد الرحيم شعبان، نشرتها على موقعها الرسمي !!
ولا أخفي عليكم، فقد أعجبت آنذاك بشجاعة شعبولا، وفكرة الأغنية، وتوقيتها، خاصة وهي خفيفة ومباشرة وساخرة، ولا تنم عن أي احقاد أو ضغائن تجاه الشعب اليهودي كشعب، وديانة، إنما الأغنية كما يتضح من مفرداتها تناولت إسرائيل كدولة عدوانية عنصرية، ونظام مغتصب، وسخرت من رموز الكيان الصهيوني السياسية، والعسكرية ..
كما يتضح في هذه المقاطع التي أداها شعبولا:
” أنا بكره اسرائيل .. وشمعون .. ويا شارون
وبحب عمرو موسى .. بكلامه الموزون.. وبكره اسرائيل .. واكره ايهود باراك
عشان دمك تقيل .. والناس كلها كرهاك” ..
وفي الأغنية مقاطع حلوة عن (القدس) والطفل الفلسطيني الشهيد محمد الدرة، وعن ابطال العبور في حرب اكتوبر، ومقاطع تدعو لسحب السفير المصري من تل أبيب، وأخرى تتغنى بالمناضل ياسر عرفات.. وكلها أعجبتني، لكن الذي لم يعجبني في الأغنية، ان المؤلف (اسلام خليل) قد أقحم اسمَي الرئيس المصري الأسبق حسني مبارك، ووزير خارجيته عمرو موسى، بشكل ناشز، وغير متفق مع سياق النص.. لكن الإقحام جاء كما يبدو متفقاً مع القاعدة الأصولية: (الضرورات تبيح المحظورات)، ومعنى ذلك: ” أن الممنوع شرعاً يباح عند الضرورة”.. وهكذا أباح الشاعر لنفسه ( تخريب الأغنية) بأسماء سياسية مصرية كرهها الشعب، وثار ضدها وضد نظامها العائلي..
كنت أتمنى أن يقول: أنا بكره اسرائيل واحب فاتن حمامة.. او عادل إمام، أو عبد الحليم حافظ، أو سعاد حسني، أو الأبنودي، او الشيخ إمام، أو أم كلثوم أو أحمد رامي، أو بليغ حمدي، أو هند رستم، أو أحمد فؤاد نجم، أو عبد الوهاب، أو حتى نجوى فؤاد.. أو سامية جمال، فهؤلاء جميعاً أحبهم الشعب المصري والعربي بفنهم وابداعهم وجمالهم.. فماذا قدم حسني مبارك وعمرو موسى لمصر والشعب العربي وحقوق الشعب الفلسطيني لكي يحبهما المصريون والعرب، ويغني لهما شعبولا ؟
أما أنا – لو كنت مؤلف هذه الأغنية – لكتبت:
أنا أكره اسرائيل .. واموت في هيفا وهبي.. وطبعاً فأنا أحب جمالها لا غناءها أو تمثيلها، أو رقصها، فهي في هذه (الأشياء) لا تتجاوز الصفر على الشمال .. أما في مادة الجمال، فهي عشرة على عشرة على عشرة.. لأن جمال هيفاء- وجهاً وجسداً وقواماً وفتنة وطرگاعةً- هبة قدرية لا تجود بها الأقدار إلا مرة واحدة في القرن الواحد .. فكان هذا القرن من نصيب هيفاء وهبي، بل قل من نصيبنا وحظنا الحلو نحن أبناء هذا الجيل العربي !!
إن جمال هذه المخلوقة، لا يمكن أن يختلف عليه اثنان عاقلان في الكون- اللهم إلا إذا تدخلت في القضية حسابات قومية وقطرية وطائفية، أو تتدخل حسابات الغيرة والحساسية وغير ذلك ..!وسأكشف لكم سراً وأقول : إذا سمعتم يوماً بحدوث مكروه (عائلي) لي، فاعلموا ان هيفاء وهبي هي السبب، وليس عمرو موسى أو شعبولا قطعاً!!