بلاويكم نيوز

مداهمة بعد منتصف الليل

0

بقلم: د. كمال فتاح حيدر ..

لكل إنسان في الكون علاقاته الدراسية والوظيفية والاجتماعية، ولكل إنسان روابط متشعبة (عميقة أو سطحية) مع معظمهم، وفي خضم هذا التنوع غير المتجانس، لابد ان تكون لي حكاية مؤلمة مع صديق جاحد، أو زميل مراوغ، أو صاحب لا يحترم الصحبة ولا يقيم لها وزناً. فالقوات التي داهمت بيتي ليلاً، وروّعت عائلتي في البصرة عام 2007 كانت بتحريض من صديق (لدود) يعمل معي واعمل معه، وتربطني به علاقات متينة (هكذا كنت اظن حتى وقت قريب). وكنت من أقوى المتعاملين معه قبل مداهمة الجيش وبعد المداهمة. لم اعلم بموقفه المشين إلا عام 2022. فكانت صدمة لي لكنها اخف وطأة لأني علمت بها بعد مضي 15 سنة. والأغرب من ذلك كله انه ظل يتعامل معي بأخلاقه الزئبقية الخادعة حتى وقت قريب. .
اقتادوني في تلك الليلة معصوب العينين، مكبل المعصمين إلى مقر اللواء التابع لقيادة عمليات البصرة في مدينة المعقل. بلا أمر قضائي، وبلا مذكرة قبض صادرة من جهة رسمية. .
كثيرون يتساقطون من اعيننا عندما نكتشف بعد فوات الأوان ما يضمرونه لنا من شر. لقد خجلت من نفسي عندما أدركت ان العيش مع هؤلاء عبارة عن حفلة تنكرية شاركتهم فيها بوجهي المبلل بالتعاسة. .
أحيانا نكون نحن السبب في مواصلة التعايش مع اللئام. فقد أدركت بعد سنوات انني كنت أعيش بين مجموعة من الضباع الذين لو علموا أني أحلم حلماً جميلاً لحرموني من النوم، كنت اظن أن بعضهم يتمنون لي الخير، ثم اكتشفت انهم يرفضون هذا الخير إذا كان يجعلني أفضل منهم ولو بمرتبة واحدة ولمرحلة مؤقتة، لذا لم أعد ألوم الغرباء، فالمقربون والذين أفنيت عمري معهم فعلوا الأسوأ. واكتشفت متأخراً انهم يعرفون كيف يخفون خبثهم وراء أقنعة الملاطفة، فالنفوس الخبيثة تبقى خبيثة ولو اعطيتهم من الود أطناناً. .
لا يُقاس الوفاء بما نراه أمام أعيننا، بل بما يحدث وراء ظهورنا. نحن في حقيقةً الأمر لا نحتاج إلى من يتعاملون معنا بذكاء العقول. بل نحتاج إلى من يتعاملون معنا بصفاء الضمائر. .
يقول الحكماء: لا تسمح لأحد ان يعاملك بمشاعر مصطنعة، فارقهم ولا تندم عليهم: من يرصد زلاتك. ومن يسترخص قيمتك. ومن هانت عليه عشرتك. ومن يتخلى عنك وقت شدتك. ومن يستكثر عليك نجاحك. . لكن هذه الخطوط العامة لم ولن ندركها إلا بعد مرور سنوات وسنوات، فالزمن هو الذي يعلمنا كيف نغير اهتماماتنا وطيبتنا. انا شخصيا لم يعد يهمني كيف تجري الرياح لأني بعت السفينة وتركت العمل في عرض البحر، ووجدت في العزلة راحة من غيبة، وفرار من نميمة، ودرء من سقطات اللسان، ورحمة من القيل والقال. فكرامتي فوق كل الاولويات حتى لو كلفني الأمر ان اصبح رفيقاً لجدران صومعتي. .
ودعوني اعترف لكم في ختام هذه المقالة، بأنني ارتكبت أكبر الاخطاء في حياتي عندما اعتقدت ان الناس سيبادلوني الاحترام والود الذي أحمله لهم في قلبي. فلا تحزن على الصديق الذي يتغير عليك دونما سبب، أو لأسباب لا تعرفها. فربما قد يكون اعتزل التمثيل، وسأم من إرتداء الأقنعة، وعاد إلى شخصيته الثعلبية المراوغة، فليس هناك أناس يتغيرون بل هناك أقنعة تتساقط. . .

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد

سياسة الخصوصية وملفات تعريف الارتباط