بقلم: د. كمال فتاح حيدر ..
هل تذكرون مذبحة القلعة، التي وقعت في مصر يوم الجمعة الموافق 1 مارس من عام 1811 ؟، والتي كان جزّارها وقتذاك محمد علي باشا. . المجزرة التي قتل فيها المماليك كلهم في يوم واحد بحفل دموي جهزه بمناسبة تولي ابنه (طوسون) قيادة الجيش، فلبَّى دعوته 470 مملوكاً من كبار الضباط والأمراء، حضروا جميعهم إلى القلعة بكامل قيافتهم العسكرية. فأغلق عليهم الأبواب، ثم أمر جنوده بإزهاق أرواحهم بلا رحمة. .
كانت تلك المجزرة عام 1811. ثم وقعت بعدها مجازر كثيرة بالسيناريو نفسه، ولكن على نطاق محدود وضيق. .
اما اليوم ونحن في نهاية عام 2023 فالمجزرة المعروضة أمامكم، تجري وقائعها الآن في قطاع غزة، على مساحة مغلقة تقدر بنحو 365 كم². أي بمقدار نصف مساحة جزيرة البحرين. لكنها تعيد إلى الاذهان المجزرة المملوكية بالصوت والصورة وبالحجم الدولي الواسع الانتشار، فقد ظلت (غزة) ترزح تحت الحصار الظالم منذ 2008، ثم فرضت عليها إسرائيل طوقاً حديدياً وحزاماً وجداراً، فضيقت عليها الخناق من البر والبحر، وحرمتها من أبسط مستلزمات الحياة من ماء ودواء وغذاء. وشرعت بتسليط حممها الصاروخية فوق رؤوس أهلها، فأوقعت بهم خسائر فادحة بالارواح والممتلكات، ثم هرعت حاملة الطائرات (جيرالد فورد) لتعلن عن مشاركتها الميدانية في المحرقة البشرية الكبرى، فاقتربت من السواحل لتعزز الهجوم البحري والجوي بدعوى ان سكان غزة من الوحوش البشرية، الذين طالبت المرشحة السيخية (نيكي هيلي) باضرام النيران فيهم وهم أحياء، وطالبت بإحراق بيوتهم عليهم حتى لا يخرج منهم أحد. .
العالم كله يرى ويسمع ويتابع تفاصيل هذه المحرقة، من دون ان يفزع لهم أحد، ومن دون أن يتألم عليهم أحد. في حين سكت دعاة الجهاد الاسلامي عن بكرة أبيهم، وسكت معهم أنصار القرضاوي وبسّام جرار والحويني والطرطور والعرعور والفوزان والعريفي. ثم جاءهم المدد من بعيد على لسان الزعيم الكوري (كيم جونغ أون)، الذي أتهم إسرائيل بتصعيد الصراع ضد غزة، مذكراً ان عواقب ممارساتها الإجرامية ستكون وخيمة، واطلق تصريحات أخرى نشرتها صحيفة رودونج سينمون (Rodong Sinmun) التابعة للحزب الحاكم في كوريا الشمالية. التي تقع في اقصى الجنوب الشرقي الآسيوي. .
وقبل بضعة ساعات ألقى النائب الإيرلندي (ريتشارد بويد باريت) خطاباً إنسانياً حزيناً دافع فيه عن ضحايا المحرقة الغزاوية، وهاجم الكيان الصهيوني، وكان يرتدي الكوفية داخل البرلمان. وقال: ان ما يجري في فلسطين هو نتيجة للحصار المستمر، والتطهير العرقي، والاستيلاء على الأرض. وطالب الحكومة الايرلندية باتخاذ إجراءات واضحة ضد إسرائيل. .
ربنا مسنا الضر وانت ارحم الراحمين