بقلم: كمال فتاح حيدر ..
بدأت حملات تفريغها من محتواها البشري بشكل مقصود وممنهج منذ عام 1970، ففي ذلك العام نشرت جريدة (الدستور) الاردنية عنواناً عريضاً بالخط الاحمر، تصدر صفحتها الأولى، جاء فيه: (بدء تفريغ قطاع غزة من السكان)، وتناولت الصفحة الاتصالات العربية العاجلة لوقف الخطة الاسرائيلية ضد 300 ألف مواطن عربي في القطاع، لكن خططهم وقتذاك باءت بالخيبة والفشل. .
وفي عام 1993 أطلق اسحاق رابين تهديداته ضدهم، فخاطبهم بهذه اللهجة: (اتمنى ان اصحو ذات يوم وأجد غزة وقد ابتلعها البحر. .
رحل (رابين) إلى من لا تضيع عنده المظالم وبقيت غزة صامدة. وفي عام 1999 كان أرئيل شارون يخطط لبسط نفوذه على غزة في عملية (السور الواقي) للقضاء على انتفاضتها في تلك الأيام، وبذريعة تحولها إلى ملاذ آمن للمقاومة، لكن خطته لم تنجح، وكان رجال المقاومة قادرين على ضرب العمق الإسرائيلي، فقال شارون كلمته المشحونة بالغضب: (أتمنى ان تغرق غزة ويبتلعها البحر). .
مات شارون عام 2014 وبقيت غزة صامدة. ثم توالت مشاريع التهجير والتجريف والضغط والحصار، واشتركت حكومة السيسي في تضييق الخناق على سكانها. حتى جاء نتنياهو ليصبح هدفاً لصفعات مؤلمة وجهتها له غزة، فلاحقته الخسائر، وطاردته الازمات. كانت المدينة المحاصرة هي البركان المتفجر بالمفاجآت. فهرعت امريكا لنجدته، وألقت بثقلها الحربي واللوجستي كله لدعم حكومة نتنياهو، ثم جاءه المدد من البلدان الاوروبية كافة، بينما كان دور الجامعة العربية متخاذلاً وضعيفاً. . اندحرت الجيوش، وفشلت المخططات، وظلت غزة صامدة. .
مدينة أدهشت العالم بتشبثها بالحياة، على الرغم من الإصرار الإسرائيلي لتفريغها من محتواها البشري، وعلى الرغم من التواطؤ الدولي في الاشتراك بذبحها وإغراقها في البحر. .
وهكذا ظل صمودها كابوساً مزعجاً للاتحاد الارهابي الأوروبي، ومنغصاً لحياة جو بايدن الذي يعيش آخر أيامه. ومؤشراً لخروج نتنياهو من عالم السياسة. وبات من غير المستبعد مثوله أمام محاكم العدل الدولية كمجرم حرب. .
كان تعدادها 300 ألفاً عام 1970. وهم الآن ثلاثة ملايين. . لقد حفرت أسمها في ذاكرة التاريخ، وأصبحت أيقونة للصمود والثبات والتحدي. لم ترضخ للاحتلال واعوانه. كانت تقاتل وحدها من دون ان تهرع لنجدتها البلدان العربية، وكانت الامدادات الحربية الامريكية المؤازرة لاسرائيل تنطلق من القواعد الاردنية، في حين كانت حكومة السيسي توصد منافذها وتمنع وصول المعونات لإغاثتهم ونجدتهم. .