بقلم: أ.د رحيم حلو علي ..
مع ان الغيرة والحسد تستخدمان غالباً بصورة متبادلة ،فهما لا تعنيان الشيء نفسه على الاطلاق، فالحسد هو أمر بسيط يميل نسبياً الى التطلع الى الخارج ويتمنى فيه المرء أن يمتلك ما يملكه غيره من اشياء لا يمكن الحصول عليها..بينما الغيرة هي ليست الرغبة في الحصول على شيء يملكه الشخص الاخر بل هي أن ينتاب المرء القلق بسبب عدم حصوله على شيء، وهي إحدى المشاعر الطبيعية الموجودة عند الانسان كحقيقة واقعة ولا تسمح في نفس الوقت بنموها .فالقليل من الغيرة يفيد الانسان كحافز للتفوق والتوازن النفسي ، ولكن الكثير منها يفسد الحياة ويصيب الشخص بضرر بالغ مثل العدوانية والأنانية والحقد ولا يخلو تصرف الاشخاص في المجتمع من أظهار الغيرة بين الحين والأخر وهذا لا يسبب اشكالاً اذا فهمنا الموقف وعالجناه علاجاً سليماً. وأما اذا اصبحت الغيرة عادة من عادات السلوك وتظهر بصورة مستمرة فانها تصبح مشكلة،ولا سيما حين يكون التعبير عنها بطرق متعددة. والواقع أن انفعال الغيرة انفعال مركب يجمع بين حب التملك والشعور بالغضب،وقد يصاحب الشعور بالغيرة إحساس الشخص بالغضب من نفسه ومن اصدقائه الذين تمكنوا من تحقيق رغباتهم التي لم يستطع هو تحقيقها ، وقد يصحب الغيرة كثير من المظاهر الاخرى كالتشهير والمضايقة والتخريب او العناد والعصيان…الخ ، وقد يصاحبها مظاهر تشبه تلك التي تصحب انفعال الغضب،كاللامبالاة او الشعور بالخجل او شدة الحساسية او الاحساس بالعجز او فقدان الرغبة بالكلام، وبالتالي فهي تدور حول الشعور بعدم الطمأنينة والقلق تجاه العلاقة القائمة مع الأشخاص الذين يهمنا أمرهم .لذا يسعى الشخص دائماً للتخفيف من حدة القلق عن طريق مواجهة صراعاته وحلها وازالة أسبابها، او عن طريق اللجوء الى الدفاع مستخدماً ما أسماه علماء النفس (بآليات الدفاع النفسي)التي يستخدمها العقل البشري من أجل مصلحة أو منفعة حتى يتخلص من قلقه وتوتراته الناتجة من الصراعات ومن الاحباط، والتي تهدد أمنه النفسي والهدف من ذلك هو وقاية الذات والدفاع عنه والابقاء على الثقة بالنفس والحفاظ على توافقه النفسي وهي في الغالب محاولات مؤقتة.
ولغرض البقاء متوازناً يستخدم الشخص عملية الكبت وهي عملية عقلية يلجأ إليها الشخص للتخلص من شعور القلق والضيق الذي يعاني منه بسبب الغيرة الزائدة ، وبهذه الوسيلة يستطيع الشخص أن يبعد عن إدراكه الواعي تلك الرغبات والطموح والتمني وبعض الحاجات التي لا يتفق تحقيقها مع القيود التي بنيت في نفسه على شكل عادات وتقاليد وقيم ويتم بإبعادها أو كبتها إلى ما يسمى باللاوعي، وعليه يضمن الشخص لنفسه حالة من الهدوء والاستقرار النفسي، وعليه فأن عملية الكبت هذه التي تبدأ كوسيلة وقائية للمحافظة على التوافق النفسي للشخص من الداخل ، وعلى التوافق بينه وبين متطلبات المجتمع من الخارج قد تستمر في خدمة تحقيق التوازن، وتكون بذلك وسيلة بناءة تتناسب مع متطلبات الحياة النفسية السليمة. ولا بد من الإبقاء على التجارب المكبوتة مقيدة في اللاوعي، ذلك أن ظهورها الى الوعي أو التهديد بظهورها فيه قد يخلق حالة من القلق والاضطراب تضر بالتوافق النفسي للشخص.