بقلم: كمال فتاح حيدر ..
لم يتغير شيء حتى الآن في سيناريوهات التآمر (العربي – العربي). فالوجوه نفسها، والأدمغة المشفرة نفسها، والنوايا الدونية نفسها. والأبواق الإعلامية المزيفة نفسها، حتى البيانات والتصريحات والمناشدات الكاذبة والمنافقة ظلت كما هي منذ القرون الأولى، التي كانت فيها ديارنا ساحة لمعارك أجدادنا العرب المناذرة في العراق دفاعاً عن حدود الدولة الساسانية، ضد أجدادنا العرب الغساسنة في الشام الذين كانوا يذودون عن حياض الدولة البيزنطية. .
وظل الحال على ما هو عليه حتى في القرن الهجري الاول والى يومنا هذا، لكنه تحول فيما بعد إلى صراع بين الأخوة والأشقاء وابناء الأسرة الواحدة. ثم تحول بعد ذلك إلى صراع دموي بين الثوار والإنقلابيين وبين الرفاق المنشقين والمتمردين على احزابهم والمعارضين لتنظيماتهم السياسية. ثم تورط القادة العرب في مسلسل التآمر على انفسهم. لكنهم لم يتآمروا ضد إسرائيل، بل تخندق بعضهم معها في السر والعلن. وربما شهدت حرب الخليج الأولى والثانية منعطفا خطيرا في تحالفات العرب ضد بعضهم البعض، فقد جاء في تسجيل مسرب للزعيم المصري الراحل (حسني مبارك) يتحدث فيه عن دعمهم لتمويل الحرب ضد العراق، وذكر أنهم دفعوا لأمريكا المليارات النقدية المباشرة، ناهيك عن الشيكات والهداية غير المنظورة. وان الفقهاء المسلمين العرب هم الذين كانوا يلوون أعناق الآيات لتوظيفها في التحريض ضد العراق، حتى أباحوا قتل كل عراقي بصرف النظر عن دينه ومذهبة وعشيرته وطائفته. وهم الذين مولوا العصابات الداعشية ضد سوريا وليبيا والعراق، وكان فقهاؤهم يطلقون الفتاوى بالمواصفات والأبعاد التي تنسجم مع الأهداف المعادية لنا. .
اذكر (من نافلة القول) ان رجلا خليجيا قتل خمسة من الجنود العراقيين أثناء أداءهم صلاة الظهر، وكانوا من السنة والشيعة، فاستفتى عند احد المشايخ حول شرعية قتلهم، فقال له الشيخ: هل انت متأكد انهم من العراق ؟. قال له: نعم يا سماحة الشيخ. . فقال له الشيخ: اذهب لا بأس عليك لأن قتلهم حلال، ولك الاجر والثواب. ربما تأثر هذا الشيخ بقصيدة الشاعر البابلي الساخر (موفق محمد)، التي يقول في مطلعها: من رأى منكم عراقياً (أو سورياً أو ليبياً أو يمانياً) فليذبحه بيده، فإن لم يستطع فبمدفع هاون، وإن لم يستطع فبسيارة مفخخة وذلك أضعفُ الإيمان. .
اما الحرب الوحشية التي يشارك فيها بعض العرب الآن في الحصار على غزة، فهي حرب دينية أعلنها السيناتور الأمريكية ليندسي غراهام، واعلنها وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن في مطار بن غوريون عندما قال: جئت لكي ألبي نداء واجبي الديني بصفتي يهوديا صهيونياً متعصباً. فمتى يتفهم المتغافلون العرب ؟. ومتى يدركوا خطورة الكوارث التي باتت تنتظرهم على الأبواب ؟. ومتى يفزعوا لنجدة أطفالنا وشبابنا الذين يتعرضون للقتل العنصري الممنهج ؟. . هذا سيموتريتش يضع خياراته الثلاثة امام سكان غزة: أما أن تغادروا وتنزحوا إلى غير رجعة. أو تعملوا خداماً وعبيداً لدينا. أو تذوقون الموت غصة بعد غصة. .
كلمة أخيرة: سوف تطالنا هذه الخيارات جميعاً. كلنا معرضون لهذه التهديدات ما لم نتلاحم ونتوحد ونقف وقفة رجل واحد في مواجهة المخططات المحدقة بنا. .