بقلم : د. محمد نعناع ..
عندما نسترجع تطور العلاقة بين الحكومة الاتحادية ومن خلفها الأحزاب والفعاليات السياسية الشيعية التي تهيمن عليها، وبين حكومة إقليم كردستان ومن خلفها أكبر الأحزاب الكوردية وأعرقها وهو الحزب الديمقراطي الكردستاني بزعامة مسعود بارزاني، لن تجد وفاقاً ذو أبعاد استراتيجية بين الطرفين، وبمعنى أوضح ما يتفق عليه الطرفان يمتد فقط على مساحة زمنية محدودة، ويتعلق بملفات معينة، وسرعان ما تتفجر الخلافات من جديد، وبطبيعة الحال يتحمل الطرفان مسؤولية عدم الوصول إلى أوضاع دستورية مستدامة، لكن الحكومة الإتحادية تتحمل المسؤولية الأكبر عن الفشل المزمن الذي يضرب بأستمرار العلاقة بين الطرفين، ويعود تحميل الحكومة الاتحادية لمسؤولية الفشل بلحاظ انحنائها الدائم للعصبيات السياسية ضد اقليم كردستان وإقحام هذه العصبيات في المسار الدستوري والقانوني، ومع مجيء الحكومة الحالية تصاعدت الضغوطات على أربيل في أكثر من ملف ومنها التهديد الأمني الذي تدعمه أطراف سياسية لها التأثير الأكبر في معادلة السلطة.
لقد استحصل إقليم كردستان مبالغ مالية عبر التحويلات الإقراضية لتمويل رواتب موظفي الإقليم خلال سنة ونصف من حكومة السوداني أكثر من حكومة الكاظمي التي سبقتها، ومنذ اقرار مجلس النواب العراقي قانون العجز المالي في العام 2021 والذي مول الإقليم بحوالي 200 مليار دينار، وتلتها دفعات مالية اخرى مقاربة لها، بدأت الدفعات المالية تتصاعد إلى حوالي 400 مليار دينار ثم وصلت أخيراً إلى 700 مليار دينار، ولكن ذلك ليس الهم الأساسي للحزب الديمقراطي الكردستاني الذي يسعى إلى تثبيت مكتسبات الإقليم ما بعد 2003، فما يسميه الديمقراطي الكردستاني الإستحقاقات الدستورية كالمادة 140 بقيت بدون تطبيق، ثم تعود مرة أخرى الخلافات حول إتفاق تشكيل الحكومة الإتحادية، وعلى سبيل المثال لم يشرع قانون النفط والغاز وهو مطلب أساسي بعد إيقاف المحكمة الإتحادية لقانون النفط في إقليم كردستان، إن الشكوى المستمرة من قبل إقليم كردستان وتحديداً من قبل الديمقراطي الكردستاني بشأن الإستحقاقات الدستورية وعدم التطبيق الكامل لبنود الإتفاق السياسي والمنهاج الحكومي المصوت عليهما في البرلمان، يعني تعرض الإقليم إلى ضربات سياسية بأدوات قانونية تُقوض التقدم في ملفات استراتيجية، ويترتب على ذلك المزيد من عدم الاستقرار في العراق والمنطة.
والمفارقة التي تنتصب شاخصة أمام الأحداث والوقائع المتتالية هي أن الحكومة الإتحادية ومن ثم الوضع العراقي العام هو المتضرر من سوء العلاقة مع أربيل، وخصوصا فيما يتعلق بالخسائر النقدية في الموازنة المالية العامة للدولة العراقية، فالإقليم استجاب نسبياً لعدد من الإجراءت التي تتطلب الانسجام مع الصلاحيات الحصرية للحكومة الإتحادية لتدقيق رواتب موظفي إقليم كردستان من قبل ديوان الرقابة المالية الإتحادي، واستجاب الإقليم لتعزيز الحدود العراقية من جهة الإقليم بقوات إتحادية أرسلتها بغداد، وبدل أن يتصاعد الانسجام بين بغداد وأربيل ويتعزز التعاون وفقاً للدستور والإتفاقات السياسية الملزمة يتعرض الإقليم إلى قصف بالستي ويتهدد كيانه الاجتماعي القومي، وما يجب أن ينتبه له كلاً من الحكومة الإتحادية وحكومة إقليم كردستان هو أن الخسارة التي يتعرض لها كلا الطرفين في المجال الاقتصادي، والفشل في التنمية السياسية عبر المشاركة السياسية والشفافية التداولية، ستفتح المجال بشكل واسع جداً أمام التدخلات الخارجية من كل الجهات والإرادات الإقليمية والدولية.