بقلم: كمال فتاح حيدر ..
استكمالا للمقالة الاستقصائية التي كتبها الدكتور هاتف الركابي وانتقد فيها قرار الحكومة العراقية بالتنازل عن استحقاقاتنا التي تقدر باربعة ترليونات دولار عن آثار اليورانيوم المنضب بعد ان اصبحت الكرة في ملعب المحكمة الاتحادية العليا. وبعد ان اعترف المسؤولون الأميركيون أخيراً بأن 320 طناً من اليورانيوم المنضب أطلقوها في العراق، وأشاروا في تقاريرهم إلى تفاصيل الكميات والنقاط المستهدفة، ودورهم الخبيث في إحباط الجهود الدولية لتقييم المخاطر الصحية. وذلك على الرغم من ان أرقام البنتاغون تؤكد على أنهم اطلقوا ما لا يقل عن 860 ألف قذيفة من اليورانيوم المنضب، تركت وراءها سلسلة من المواد المشعة السامة التي ستظل ملوثة لمدة 4.5 مليار سنة، وهي فترة زمنية مماثلة لعمر نظامنا الشمسي. بمعنى انها سوف تبقى مترسبة في تربتنا حتى قيام الساعة. فهل يدرك البرلمان العراقي مخاطرها المستقبلية علينا وعلى الأجيال القادمة ؟. .
المؤسف له ان هواة الصيد بالصقور، والباحثين عن الكمأ البري يتجولون في الصحراء من دون ان يعلموا انهم يقتربون من اخطر المناطق المشبعة بالإشعاع المميت في مواقع متناثرة من البادية الجنوبية، وفي نقاط التماس مع الحدود العراقية المشتركة مع الكويت والسعودية. .
لقد نشرت وزارة الدفاع الأميركية تصريحات متناقضة بشأن المخاطر التي تفرضها 320 طناً من اليورانيوم المنضب التي أطلقت في العراق، فإنها تتوقع أن كل ساحات المعارك سوف تكون ملوثة باليورانيوم المنضب. آخذين بعين الاعتبار إن خطره على المدى القصير هو السمية الكيميائية. وعلى الرغم من أن اليورانيوم المنضب مشع بنسبة 60 في المائة فقط من اليورانيوم الطبيعي، إلا أن جزيئاته يمكن أن تظل محاصرة في الجسم لفترات طويلة، مما قد يؤدي إلى مشاكل صحية خطيرة.
وشاهد أحد المفتشين الأوروبيين ان جهاز كشف الإشعاع يسجل نحو 35 درجة ضعف الإشعاع الطبيعي في بعض مناطق القتال جنوب العراق. حيث أظهرت الدبابات القديمة التي اصيبت بقذائف اليورانيوم المنضب مستويات إشعاع أعلى بـ 50 مرة. يقول دوج روكي (Doug Rokke) الخبير السابق في البنتاغون في مجال اليورانيوم المنضب: (لقد كانت ساحة المعركة في حرب الخليج مليئة بالمواد المشعة والسامة، بما في ذلك ذخائر اليورانيوم المنضب، وغيرها من العوامل الكيميائية، والأبخرة المنبعثة من حرائق النفط في الكويت. ويرتبط التعرض لأي من هذه السموم بمشاكل طويلة الأمد سوف يعاني منها العراق). .
وبالتالي كان من المفترض ان نسعى لكسب التعاطف الدولي باعتبارنا من ضحايا اليورانيوم المنضب الذي كان سلاحاً غير مشروع في الهجوم على مدننا، وترك آثاره القاتلة في معظم أزماتنا الصحية التي شهدناها منذ عام 1991. .
ثم جاء قرار الحكومة بالتنازل عن حقوقنا ليمنح البراءة المطلقة للجيش الامريكي. في حين تشترك مختبراتنا في التغافل عن مهماتها في الرصد والفحص والتحليل وتحديد المناطق الملوثة وتحذير الناس من الاقتراب منها. ومع ذلك سوف تبقى مخاطر اليورانيوم المنضب موضع نقاش مرير للسنوات القادمة. .
من هنا نوجه نداءنا إلى منظمة الصحة العالمية بضرورة إجراء مسح تفصيلي لمدة عامين أو ثلاثة أعوام للوقوف على حقيقة تأثير اليورانيوم المنضب. وهذا النداء موجه ايضاً إلى وزارة الصحة العراقية، والى لجنة الصحة النيابية. .
ربنا مسنا الضر وانت ارحم الراحمين. . .