بقلم: سمير السعد ..
تواجه الاستراتيجية العسكرية للعدو الصهيوني فشلاً ذريعاً في تحقيق أهدافها السياسية والعسكرية في غزة وجنوب لبنان، حيث لم تسفر العمليات العسكرية المستمرة سوى عن دمار واسع ومجازر مروعة بحق المدنيين الأبرياء، دون تحقيق أي مكاسب ملموسة على الأرض. ففي غزة، ورغم القصف العنيف، لم ينجح “العدو الصهيوني ” في إضعاف قوة المقاومة الفلسطينية، بينما في جنوب لبنان، لم تتمكن من تقليص نفوذ حزب الله أو تقويض قدراته.
ومع تصاعد الأعمال العدائية، فتحت هذه المواجهات أبواب وجبهات جديدة مع قوى إقليمية فاعلة، مثل إيران وحركات المقاومة في اليمن، ما يعمق من الأزمة الصهيونية ويجعلها تواجه تهديدات متعددة الأوجه. هذا التورط في صراعات متعددة الجبهات كشف عن هشاشة الاستراتيجية العسكرية الصهيونية التي بُنيت على غرور الثقة المفرطة والتفوق العسكري غير القابل للتحدي.
في الداخل، يواجه العدو الصهيوني أزمة حقيقية، حيث تفقد القيادة الصهيونية ثقة جمهورها الذي يعاني من الشعور بالخوف والشك في قدرة الجيش على حماية الدولة المزعومة . الضربات المتتالية التي تلقتها من المقاومة، سواء في غزة أو جنوب لبنان، هزت غرور القيادة الصهيونية وأظهرت حدود قدرتها على مواجهة خصومها، الأمر الذي يعمق الانقسام الداخلي ويهدد استقرارها على المدى الطويل.
في ظل تصاعد وتيرة المقاومة وتعدد جبهاتها، تبدو القيادة الصهيونية عاجزة عن استعادة زمام المبادرة، وهو ما يعكس ضعفها في مواجهة تحديات جديدة لم تكن في حساباتها. إن قدرة المقاومة، سواء في غزة أو لبنان أو حتى في مناطق أخرى مثل اليمن، على توجيه ضربات مؤلمة وذات تأثير استراتيجي قد فرضت واقعاً جديداً على الأرض. هذا الواقع يجعل “الكيان الصهيوني ” في موقع الدفاع المستمر، بدلاً من الهيمنة الهجومية التي كانت تسعى إليها من خلال حملاتها العسكرية.
كما أن هذه التطورات لم تقتصر على البعد العسكري فقط، بل أثرت بشكل مباشر على الجبهة الداخلية. تصاعد الخلافات والانقسامات السياسية داخل المجتمع الصهيوني ، إلى جانب تراجع ثقة المواطنين في الحكومة والجيش، يشير إلى أزمة عميقة لم تعد تقتصر على ساحة المعركة فقط، بل امتدت إلى الأوضاع الداخلية. فالجمهور الصهيوني الذي كان يعتمد على القوة العسكرية لحماية حدوده وضمان أمنه أصبح اليوم يعيش في حالة من القلق والخوف، خاصة بعد فشل الحكومة في تقديم استراتيجيات بديلة ناجحة.
يبدو أن الخسائر البشرية الكبيرة، والإبادة الجماعية التي ارتكبت بحق سكان غزة والضاحية الجنوبية، لم تنجح في كسر إرادة المقاومة. على العكس، عززت من صمودها وأعطتها شرعية أكبر لدى شعوب المنطقة. وهذا الفشل العسكري والإعلامي للعدو الصهيوني لم يُترجم إلا بزيادة التوترات، ما يعزز من احتمالية استمرار الصراع لفترة أطول وفتح مزيد من الجبهات التي قد تكون أكثر تعقيداً.
في ظل هذه الظروف، يجد العدو الصهيوني نفسه محاصراً بين تهديدات داخلية وخارجية متزايدة، ويبدو أن استراتيجية القوة المطلقة لم تعد قادرة على تحقيق الأمن أو فرض الحلول السياسية التي يسعى إليها. الآن، يتعين عليه التعامل مع واقع جديد عنوانه الفشل والاضطراب الداخلي وفقدان الهيمنة في الإقليم.
في نهاية المطاف، يُظهر الواقع الجديد الذي فرضته المقاومة على الأرض أن استراتيجية “الكيان الصهيوني” العسكرية المبنية على الهيمنة والقوة الغاشمة لم تعد قادرة على تحقيق أهدافها، بل إنها أدت إلى تداعيات خطيرة على الصعيدين العسكري والسياسي. فبدلاً من تحقيق الأمن والاستقرار، يواجه “الكيان الصهيوني ” اليوم تهديدات متعددة الجبهات، من غزة إلى جنوب لبنان ومن اليمن إلى إيران، وكلها ترتبط بقوى مقاومة تتمتع بالمرونة والقدرة على الاستمرار.
الاستنزاف الذي تتعرض له القوة الصهيونية، سواء عبر العمليات العسكرية الفاشلة أو عبر الضربات الدقيقة التي تتلقاها من خصومها، قد ألقى بظلاله الثقيلة على الداخل الصهيوني . فمع تزايد الخسائر البشرية والتدمير الهائل الذي طال المدنيين، يعاني الكيان الصهيوني من أزمة ثقة داخلية غير مسبوقة. الجمهور الإسرائيلي بات يعيش في حالة من الإحباط وفقدان الثقة في قيادته السياسية والعسكرية، لا سيما في ظل استمرار المقاومة في توجيه ضربات موجعة، تُظهر ضعف البنية الدفاعية والتكتيكية للجيش الإسرائيلي.
هذا التدهور في الجبهة الداخلية، متمثلاً في الانقسامات السياسية والتوترات الاجتماعية، يفاقم من الأزمة، حيث لم يعد “الكيان الصهيوني ” قادرة على تقديم نفسها كقوة متماسكة تستطيع مواجهة التحديات الإقليمية. انهيار الثقة المتزايد بين القيادة والشعب، إلى جانب فشل الحلول العسكرية، يشير إلى أن العدو الصهيوني يمر بمنعطف خطير قد يؤدي إلى تغييرات جذرية في المنطقة.
على الصعيد الإقليمي، شكلت هذه التطورات تعزيزاً للمقاومة وقوتها، حيث تمكنت من إثبات أن التفوق العسكري وحده لا يضمن الانتصار. القدرة على الصمود أمام أعنف الحملات العسكرية، والتنسيق مع قوى إقليمية أخرى، قد ساهم في إطالة أمد الصراع وتوسيع نطاقه، مما يجعل “إسرائيل” تواجه تهديدات استراتيجية تتجاوز قدرتها التقليدية على الرد.
وفي ظل غياب أي رؤية سياسية متماسكة أو حلول دبلوماسية فعالة، يبدو أن “الكيان الصهيوني” قد دخل في دوامة من التورط المتزايد في صراعات لا يمكنها حسمها بسهولة. فالأهداف التي سعى لتحقيقها عبر القوة العسكرية، من تأمين حدوده إلى تحجيم نفوذ خصومه تلاشت أمام مرونة المقاومة وتوسع جبهات المواجهة.
“خلاصة القول” البديهية لهذا المشهد هي أن “الكيان الصهيوني ” لم يعد يسيطر على مجريات الأحداث كما كان يظن . بل على العكس، أصبح يعيش في دائرة من الفشل العسكري والاستنزاف الداخلي، الأمر الذي يفتح الباب أمام مزيد من الصراعات التي لن تقتصر على الساحات العسكرية فقط، بل ستمتد لتشمل الساحة السياسية والاجتماعية داخل الكيان الصهيوني نفسه. وفي ظل هذه التغيرات الجذرية، يبقى المستقبل مفتوحاً على احتمالات واسعة، قد تعيد رسم معادلات القوة والنفوذ في المنطقة، وتجعل من المقاومة محوراً رئيسياً في صياغة الواقع الجديد.