بقلم: كمال فتاح حيدر ..
سؤال يراود كل مواطن منذ زمن بعيد: كيف السبيل إلى العدالة الوظيفية ؟. و متى ينتصر المتعلم على الجاهل، وينتصر الصادق على الكاذب، وينتصر الوطني على الخائن ؟. .
تخيل انك تعمل في شركة للنقل البحري، وتحمل كل المؤهلات والخبرات المينائية والبحرية والملاحية، وحتى السمچ بالماي يبجي على حالك، ويعلم بمؤهلاتك. وتخيل انك حاصل على درجة الماجستير في العلوم من الجامعة البحرية في مالمو (السويد)، ولديك ارفع الشهادات من اعلى المراكز الدولية. ثم يصدر قرار من الحكومة المركزية بتنسيب موظف كان يعمل في الكراجات وسيارات الأجرة ليصبح بين ليلة وضحاها هو المدير المفوض لقسم الوكالات البحرية في عموم موانئ البلاد، وتصبح انت من صغار الموظفين العاملين تحت سلطته، على الرغم من انه لا يعرف الچك من البوك، ولا يعرف كوعه من بوعه، لكنه من أشد المؤمنين بنظرية : (يا بط يا بط العب بالشط). .
لا شك انك سوف تحزن وتزعل وتغضب وتلطم على رأسك، ثم تطالب كبار القوم بوجوب الإصلاح الإداري، وإرساء قواعد التوصيف الوظيفي، وتناشدهم بالدفاع عن مبادئ العدالة الإدارية. لكنهم لم ولن يسمعوك لانك لا تنتمي اليهم ولست منهم. . .
وتخيل انك تسمع بشاب حديث العهد بالوظيفة (التحق بالوظيفة عام 2023) لكنه بعد اقل من عام يصبح مديرا لقسم الرقابة والتدقيق في شركة الخدمات الجوية. من المرجح انك سوف تصاب بالجنون ازاء هذا التخبط الوظيفي. .
وتخيل ان الشاب الذي كان يعمل منذ عام بعقد مؤقت في البلديات يصبح من المفضلين في شركة الخطوط الجوية العراقية، ويتم ترشيحه للعمل خارج العراق بلا مؤهلات وبلا لغة وبلا خدمة وظيفية. عندئذ تصبح انت على قناعة تامة بأن طائراتنا لن تعود إلى التحليق ثانية في أجواء اوروبا حتى لو خرج عباس بن فرناس من قبره، وحتى لو عاد السندباد محمولا فوق بساط الريح. .
الشيء بالشيء يُذكر انه في عام 1953 توسعت الخلافات بين مدير عام الموانئ (محمد سعيد القزاز) و وزير النقل (عبدالرزاق مرجان) في كابينة جميل المدفعي، وذلك بسبب رفض المدير العام (القزاز) تنفيذ أوامر الوزير بتعيين (إبراهيم الراضي) مديرا لقسم المالية لعدم توفر المؤهلات الوظيفية. ولما أصر الوزير على تثبيت (الراضي) قرر مدير الموانئ تقديم استقالته، لكن الدولة العراقية الحكيمة قررت وقتذاك إعفاء الوزير من عمله وإعادة المدير العام إلى عرشه لأنه كان على حق. . يا عمي عرب وين طنبورة وين ؟؟. .
يتساءل العراقيون هنا وهناك عن اسباب ومسببات غياب العدالة الوظيفية ؟، وعن الدور السلبي الذي تلعبه الكيانات السياسية في تهميش اصحاب الكفاءات والمواهب والخبرات منذ عام 2003 ؟. .
اللافت للنظر ان هذه الممارسات الخاطئة تجري على وجه الاعتياد امام أعيننا على الرغم من تصاعد أصوات النواب المنددين بالخروقات والانتهاكات الإدارية والمالية. وعلى الرغم من صيحات المتظاهرين والمحتجين ضد مافيات الفساد والإفساد، وعلى الرغم من تضخم ملفات الإدانة المعززة بالوثائق والأدلة، ومع ذلك تواصل الكيانات المتنفذة دفاعها المستميت عن كبار المفسدين، وتسعى جاهدة نحو تعزيز مراكز المفسدين ومنحهم صلاحيات مفتوحة. وربما تشجعهم في المضي قدما نحو إبرام العقود المليارية بلا دراسة جدوى. .
كلمة اخيرة: لا ترهقوا انفسكم في التفكير فالثمار الفاسدة سوف تسقط تلقائياً لوحدها. . ولات حين مندم. .