بقلم: كمال فتاح حيدر ..
لا تشكك بعد الآن بالعاملين معك، ولا بالمؤسسة التي تعمل فيها، فالذي يتجسس عليك ويرصد تحركاتك صار من أقرب المقربين إليك (رضيت أم أبيت). أنت الآن تحتفظ به في جيبك أو في حقيبتك، أو تضعه فوق مكتبك، ويعيش معك تحت سقف واحد. .
فهواتفك الذكية هي الرادارات المُكلفة بمتابعتك من المسافة صفر . وبإمكانها تسجيل صوتك ونقل بصمتك (أقصد العصبية الخاصة وليس الصوتية) حتى لو كانت الهواتف مغلقة !، وحتى لو كانت غير مشحونة. ليس هنالك أقرب إليك الآن من موبايلك الملتصق بجسدك، فهو الآن يقرأ أفكارك، ويحصي دقات قلبك، ويستدل على رغباتك وهواياتك والتطبيقات الهاتفية التي تميل إليها. .
هل لاحظت أنه يعرض لك مقاطع وصور وأخبار لمجرد تفكيرك بها، أو لأنها خطرت على بالك منذ لحظات ؟. فما أن تفتح تطبيق اليوتيوب أو التكتوك حتى تجدها بين يديك، ذلك لأنه قرأ ملفك الشخصي، ورصد ما تختلج به نفسك، وعرف ما يدور في دماغك. .
والأخطر من ذلك كله أنه ربما يغدر بك، فهو يعلم بتنقلاتك الداخلية والخارجية ويرسمها بخرائط دقيقة يثبت فيها الأماكن التي زرتها، والفترات التي أمضيتها هنا أو هناك بالليل أو بالنهار، فهو لا يكذب ولا يرتكب الأخطاء !!. .
هل تعلم أن الأجهزة الأمنية في المطارات العربية، وفي معظم المطارات الأجنبية لجأت منذ مدة إلى إختيار عينات عشوائية من القادمين والمغادرين. ربما يطلبون منك تسليم هاتفك الذكي، فتبادر بتسليمه إليهم بكل رحابة صدر ظناً منك بأنهم لا يعرفون مفتاحك السري، لكنك سوف تندهش عندما تراهم يفتحون تلفونك من دون حاجة إلى معرفة رقمك السري، فقد توفرت لديهم أجهزة أذكى وأعلى وأقوى وأدق من الهواتف الذكية. أجهزة لها القدرة على اختراق هواتفك وتصفحها والغوص في خباياها، حتى لو مسحت محتويات جميع الدردشات في الواتساب، وحتى لو حذفت الصور المخزونة في الاستوديو، وحتى لو حذفت المحذوف أيضاً. ولا تنسى أن تطبيق جوجل (Google) يحتفظ بسجل طويل عريض يشتمل على أدق التفاصيل لقراءاتك ومشاهداتك ومتابعاتك واهتماماتك منذ اليوم الذي اقتنيت فيه هاتفك المحمول، ولكي تتأكد من صحة هذا التحذير اكتب كلمة (نشاطي) في حقل البحث على جوجل، وأبحث عنها. فسوف تأتيك النتيجة بعبارة: (مرحباً بك في نشاطي)، وما أن تنقر عليها حتى تقع بين يديك نشاطاتك كلها، فقرة فقرة باليوم والتاريخ والساعة لهذا العام والأعوام السابقة. .
عندئذ يتعين عليك الاستعانة بخيارات (الحذف) لكي تحذفها كلها، لكن هذه الخطوة ليست مضمونة 100%، وليست فيها تأكيدات على خلو هاتفك من الأسرار التي لا يعرفها إلا أنت، سيما أن الهاتف نفسه قد يتحول إلى سلاح يطاردك ويقتفي أثرك حيثما ذهبت. .
لذا اسمع النصح، ولا تثق بهاتفك الشخصي بعد الآن، ولا تصحبه معك إلى مضجعك عندما تخلد إلى النوم، ولا تحمله في رحلاتك الخارجية. وننصحك بالعودة إلى الهواتف المحمولة القديمة التي أنتجتها شركة نوكيا، حتى لو كانت من الأصناف البدائية، فالحذر يقيك الضرر. ولربما ننفتح معك ذات يوم لكي نستعرض أحدث ما توصلت له الأبحاث التي نوقشت مؤخراً في بعض المؤتمرات العالمية الخاصة بالــ Cypersecurity. .
كلمة أخيرة: إذا لم يأت الشيطآن بنفسه فإنه سوف يتسلل اليك من نافذة هاتفك المحمول. .