بقلم : اللواء الدكتور سعد معن الموسوي ..
العراق، أرض الحضارات الأولى وموطن أقدم المجتمعات الإنسانية، يزخر بتاريخ غني وتراث متنوع يمتد لآلاف السنين. ومع ذلك، فإن ضعف التسويق الإعلامي (marketing )المحلي أسهم بشكل كبير في تغييب صورة العراق الحقيقية عن الأوساط العالمية، رغم الإنجازات المذهلة التي شهدها البلد في السنوات الأخيرة، مثل استضافة مونديال الخليج في البصرة وزيارة البابا فرنسيس، وعدد من المؤتمرات وورش العمل الدولية، إضافة إلى الحدث السنوي الفريد عالميًا: زيارة الأربعين.
واقع الإعلام المحلي: الفرص المهدورة
رغم امتلاك بلدنا عناصر جذب هائلة، يعاني الإعلام المحلي من سوء التخطيط الاستراتيجي، وضعف التنسيق بين الوزارات المعنية والجهات القطاعية الاعلامية.
هناك الكثير من الأمور التي يمكن أن يتناولها الإعلام بشكل أكثر احترافية:
- السياحة الدينية: العراق يحتضن أقدس المزارات الإسلامية الشيعية والسنية، مثل العتبتين الحسينية والعباسية في كربلاء والعتبة العلوية في النجف الاشرف ، والمراقد المقدسة في سامراء ومسجد الإمام الأعظم في بغداد ومرقد الشيخ عبد القادر الكيلاني، وغيرها من المزارات الاخرى. بالاضافة للكنائس ودور العبادة لباقي الاديان .
ان المناسبات المليونية مثل زيارة الأربعين تعد فرصة ذهبية لتسليط الضوء على روح الكرم والتضحية، لكنها غالبًا ما تُقدم بأسلوب نمطي وتقليدي.
- السياحة الثقافية والتاريخية: معالم كأهوار جنوب العراق (المدرجة ضمن قائمة التراث العالمي لليونسكو)، وأقدم الكنائس والأديرة في نينوى وكركوك، وحضارة بابل وسومر واكد واشور العريقة، لا يتم الترويج لها كما تستحق.
- التنوع المجتمعي والديني: يُعد العراق انموذجاً عالميًا للتعايش السلمي بين الأديان والمذاهب والطوائف والاسميات والعرقيات، حيث يعيش المسلمون والمسيحيون والأيزيديون والصابئة والاديان الاخرى جنباً إلى جنب.
استراتيجية تطوير الإعلام المحلي
لتعزيز صورة بلدنا في العالم، ينبغي تبني استراتيجية إعلامية شاملة تعتمد على أسس علمية وتقنيات حديثة، تتضمن العناصر التالية:
1.الاستفادة من السوشيل ميديا والمنصات الرقمية
حيث ان الإعلام التقليدي وحده لم يعد كافياً، يجب الاستثمار في منصات مثل يوتيوب، إنستغرام، وتويتر، وفيسبوك مع محتوى جذاب يستهدف شرائح متنوعة من الجمهور العالمي. على سبيل المثال، يمكن إنتاج فيديوهات قصيرة توثق جمال الأهوار أو بريق بغداد ليلاً واقليم كردستان العراق.
2.إعداد كوادر إعلامية مؤهلة، ينبغي تدريب الصحفيين والمراسلين المحليين على استخدام أساليب السرد القصصي المبتكر (Story telling)، مع التركيز على إبراز الجوانب الإنسانية للقصص العراقية.
3.تعزيز التعاون مع الإعلام العالمي
من خلال التعاون مع قنوات وصحف عالمية كـBBC وNational Geographic، وغيرها، حيث يمكن نشر تقارير وبرامج توثق الجوانب الفريدة للعراق، من تراثه إلى طبيعة شعبه.
4.إطلاق حملات إعلامية دولية
يجب تنظيم حملات إعلامية مدروسة تتناول الجانب الثقافي والسياحي والإنساني للعراق. على سبيل المثال، حملة بعنوان “العراق: موطن الضيافة والسلام” تسلط الضوء على الأحداث المليونية كالأربعينية والاستضافات والبطولات الرياضية.
5.إنشاء منصات متعددة اللغات
إنشاء مواقع إلكترونية وصفحات على مواقع التواصل الاجتماعي بلغات عدة (كالإنجليزية، الفرنسية، الإسبانية) لاستهداف الجمهور الدولي، مع تقديم محتوى احترافي عن العراق.
6.التكنولوجيا الحديثة في التسويق
استخدام تقنيات الواقع الافتراضي (VR) والواقع المعزز (AR) لعرض معالم العراق بشكل ثلاثي الأبعاد في المعارض الدولية أو عبر التطبيقات السياحية.
ختامًا: العراق يستحق أن يُسمع صوته
العراق ليس فقط بلد النفط والحروب كما تصوره بعض وسائل الإعلام الأجنبية. إنه مهد الحضارات الأولى، وأرض الضيافة والشجاعة، وملتقى الأديان والثقافات. بتطوير استراتيجية إعلامية شاملة وفعالة، يمكن للعراق أن يستعيد مكانته كأحد أعظم الوجهات الثقافية والسياحية في العالم. الإعلام هو المفتاح؛ لأنه هو الذي يستطيع أن يفتح أعين العالم على الكنوز التي تنتظر الاكتشاف.
اللواء الدكتور
سعد معن الموسوي