بقلم: كمال فتاح حيدر ..
في العراق فقط. وفقط في العراق لدينا فئة من المتعلمين، ومنهم من ذوي الاختصاص. الذين لا شغل لهم سوى المشاكسة والمناكفة، فما ان تطرق بابا من أبواب المعرفة، أو تسلط الأضواء على صفحات منسية من صفحات التاريخ حتى تنشط ضدك الخصومات البينية، فتتسع وتكبر، ثم تتحول إلى جبهات للتشويش والتشتيت والتضليل. .
قبل بضعة أعوام كانت الأمور تبدو هادئة جدا في بعض مجاميع منصات التواصل، لكنني عندما نشرت دراساتي عن حقوقنا السيادية في مياهنا الوطنية وسواحلنا المنكمشة، كنت في حينها أتطلع لتحشيد الجهد الوطني وتلاقح الأفكار بالاتجاه الذي يحفظ حقوقنا المهدورة في خور عبدالله وشط العرب. لكنني، ومن حيث لا أتوقع، صرت هدفا للذين لم يقرأوا كتابا ولم يكتبوا سطرا، فانهالت ضدي هجماتهم من دون ان تتضح الاسباب والمسببات. الأمر الذي اضطرني لحذفها وتأجيل النقاش إلى إشعار آخر، عندئذ عاد الهدوء إلى ما كان عليه. .
وفي يوم من الايام ساقتني قدماي للتجوال داخل اروقة المكتبة العثمانية في اسطنبول، فاخترت البحث عن تاريخنا البحري (المدني والحربي) في الركن المخصص لولاية البصرة. وكان لابد من الاستعانة بالترجمة، وتوثيق الصور والخرائط والمستندات، وكنت قبل سنوات من اشد المعجبين بالجهد الذي بذله الدكتور حسين محمد القهواتي في كتابه الموسوم (دور البصرة التجاري في الخليج العربي). والذي استعان في تأليفه بالوثائق العثمانية. لكنني ما ان باشرت بكتابة سلسلة من المقالات المعززة بالصورة والخرائط عن تاريخ البصرة البحري حتى انهالت عليَّ الهجمات من الصغير والكبير، وكأنني أقحمت نفسي في أعشاش الدبابير اللاسعة. .
الطامة الكبرى ان هؤلاء لا يريدونك تعمل، ولا يريدونك تفكر، لكنهم لا لن يتسببوا لك بأي سوء إذا اخترت الصمت والتقوقع على نفسك في كهوف الجهل والتخلف. .
ومع ذلك، وعلى الرغم من تعدد جبهات التعطيل والتضليل، لقد وفقنا الله في رفد المكتبة الوطنية بمجموعة كبيرة من المؤلفات، وربما اصبح كتاب (اساسيات الإرشاد البحري في الممرات الملاحية العراقية) من المقررات الدراسية لدورات التأهيل المتقدم للعاملين في هذا المضمار. فصدرت الطبعات الاولى والثانية، وهي الان في متناول معظم العاملين في الموانئ. ولله الحمد. .
ختاما اتقدم بالشكر والتقدير للدكتور (عامر السعد) الذي كان له الفضل الكبير في تبني مجموعة من الإصدارات. اذكر منها: كتاب (على ضفاف شط العرب)، و دراسة ملخصة حملت عنوان: (السجل التاريخي لمنطقة السد الخارجي في شط العرب). .
كلمة اخيرة: يُقاس العقل بالنقاش، وتُقاس الوطنية بالمواقف. . .