بقلم : د. سمير عبيد ..
أولا:- نعود ونكرر ان التشبث بالكلاسيكية السياسية القديمة أفقدت إيران موقعاً ريادياً في المنطقة. فإيران وعندما لم تؤمن بالتجديد والمراجعة اسوة بتركيا أصبحت مثل العجوز الشمطاء في المنطقة.حيث لم يعرف عنها إلا اثارة المشاكل والتدخل في شؤون الدول والشعوب. وتأخذ ولا تعطي . فصحيح ان لدى ايران موروث سياسي منذ القدم وهو إيهام الشعب الإيراني دوماً بأن هناك عدو متربص بايران وبهم ليُدمرهم لكي يفرضوا اتحاد قوميات الشعب الإيراني واستنفار الشعب الإيراني خلف النظام الحاكم في جميع المراحل التاريخية وصولا للنظام الإيراني الحالي !
ثانياً:-فبعد رحيل السيد الخميني كان يفترض بالثنائي ” رفسنجاني وخامنئي “الشروع بالمراجعة ثم تجديد الخطاب السياسي وتجديد التعاطي مع دول وشعوب المنطقة لكي تندمج إيران مع الدول العربية والخليجية وتأسيس سوق مشتركة وتكامل اقتصادي لتكون تجربة فريدة على غرار الاتحاد الأوربي.ولكنهم لم يفعلوا وأصروا على تصدير الثورة . فالسيد أربكان على سبيل المثال كان بمثابة الخميني في تركيا. ولكن عندما شاخ أربكان وشاخت أفكاره وتراجع حزبه وتراجع مؤيديه مباشرة قفز من مركبه ( اردوغان +غول) ليؤسسوا حزباً اسلامياً جديدا بافكار اسلامية وسطية ” إسلام علماني” فحكموا تركيا ولازالوا، وحولوا تركيا إلى دولة عصرية مقبولة. مع العلم ان لدى تركيا طموح لا يختلف عن الطموح الإيراني وهو الحنين نحو اعادة احياء الدولة العثمانية مثلما لدى الإيرانيين الحنين نحو احياء الدولة الفارسية!
ثالثا: بحيث حتى حلفاء إيران الذين فرضتهم في العراق وأعطتهم الحكم منذ عام ٢٠٠٣ وحتى الآن وبمقدمتهم حزب الدعوة واحزاب الإسلام السياسي الأخرى والجهات التي تحالفت معهم رفضوا ويرفضون المراجعة والتجديد في الخطاب السياسي والتعاطي مع الآخرين. وبسبب ذلك كانوا ولازالوا سببا في تقهقر الدولة العراقية وانهيار مؤسساتها وميادينها ،وجعلوا من العراقيين ( ركاب طائرة مخطوفة ) وهم القراصنة !
رابعا: لذا عندما بقيت ايران على مشروعها القديم ” مشروع السيد الخميني ” وهو تصدير الثورة والتمدد في الدول العربية مثل العراق كانت عند النظام الإيراني استراتيجية بعيدة من خلال هذه الدول الاربع .. وهي :
١-التدخل في شؤون الدول العربية وبمقدمتها ( العراق وسوريا ولبنان واليمن ) ونخرها وإضعافها من الداخل ونشر انعدام الثقة بين مكوناتها ثم نشر الطائفية لتكون بديلا عن الاحياء القومي العربي وبديلا عن العلمانية والليبرالية والمدارس الأخرى والسبب لان الطائفية تضعف البلدان وتفرق الشعوب لتصبح الدول ضعيفة ومستسلمة وهذا ما حصل في العراق !
٢-اعداد (اليمن )ليكون دولة رديفة بإيران لها مهام استراتيجية محددة وهي ( ترهيب السعودية، والسيطرة على باب المندب ، والتحكم في البحر الأحمر ، ورويدا رويدا جعل دول الخليج تحت رحمة سلاحها ) لحين ساعة الصفر الكبرى. وبالفعل صارت السعودية والإمارات تحت رحمة صواريخ الحوثي !
٣-واعداد( العراق )ليكون ملتصقا بإيران وفي نفس الوقت يكون حائط الصد لحماية إيران وسوق استهلاكي لها وتجهيزه مستقبلياً ليكون جاهزاً بالضد من السعودية والكويت والأردن في حال نجحوا بنقل تجربة الحرس الثوري في العراق . ويكون العراق ممرا استراتيجيا نحو سوريا ولبنان بالنسبة للسلاح والغاز الايرانيين …الخ !
٤-ورسم رؤية تخص (سوريا ) لتتحول إلى مجمع كبير للحركات العقائدية والراديكالية المدعومة من إيران وبقيادة إيرانية لتفتح بها جبهة الجولان ضد إسرائيل وتجعلها ورقة استراتيجية بيدها اي ايران. ومن هناك وانطلاقا من سوريا نحو لبنان !
٥- اما الاستراتيجية الإيرانية الموضوعة إلى( لبنان ) فهي متقدمة وأكثر من العراق واليمن وسوريا فمهمتها خنق وإقلاق إسرائيل ( استنزاف إسرائيل وترهيبها) بدليل سنة كاملة ” اثناء حرب غزة ” كان باستطاعة حزب الله قضم شمال إسرائيل والتوغل داخل فلسطين المحتلة وتهجير مئات الآلاف وتطويق إسرائيل .ولكن إيران رفضت ذلك حتى جاء موعد البيع لتبيع إيران حزب الله وبضغط أميركي وبريطاني ودولي .وهكذا باعت سوريا. وقبلهما غزة والدور قادم على العراق واليمن !
خامسا:- الخلاصة :
كل ماحدث ويحدث وسيحدث ضد ايران سببه الغطرسة الإيرانية والتعامل الفوقي والمجحف مع الدول العربية الاربع ومع شعوبها. بحيث اصبحت ايران تتصرف في العراق على سبيل المثال بانه اقليم إيراني خاضع للهيمنة الإيرانية ودون اي اكتراث للعراقيين. ولم يكترثوا حتى للأصوات العراقية الرافضة للتدخل الإيراني والرافضة للسياسات الإيرانية في العراق .. فالمهم سقطت استراتيجية إيران البعيدة في الدول العربية الاربع وانقلبت عليها. وسوف تخبرنا الايام بالمزيد!
سمير عبيد
١٧ ديسمبر ٢٠٢٤