بقلم : فالح حسون الدراجي …
أبا الحسين العظيم:
عذراً إن تجرأتُ، وجمعتُ نفسي مع اسمك العظيم بسطر واحد في عنوان هذا المقال.. بل إني (توقحتُ) كثيراً حين وضعت (أنا) قبل اسمك الجليل. وعذري، ومبرري في ذلك، أنك (غفور رحيم)!
لقد أردت ان أكتب لك (شيئاً) مختلفاً في هذه الأيام المعطرة بأريج دمك الزكي، حيث تمر ذكرى غدرهم، وسفالتهم، وخيانتهم، وهي أيضاً ذكرى صلابتك وعدلك ومجدك المضيء بإيمانك، ووفائك للقيم التي آمنت بها.. وآمن بها من بعدك ملايين الملايين من الناس..
فاليوم يا أبا الحسين، يوم جرحك، ومن ثم استشهادك، و(هطول) دمك الذي غسلت به آثامنا -نحن المسلمين، المشركين، الخونة، المرتدين، الخارجين عن دين قِيَمك، ورسالتك، ومبادئك، ونهج بلاغتك، وذي فقارك، وحسنك وحسينك –ذكرى دمك الذي انتصرت به على أعداء الحق، وانتصرنا به نحن، على (انفسنا) الأمارة بالسوء..والمزدحمة بالغدر، والجحود، ونكران الجميل..
أحببتك يا سيدي، لا طمعاً بجنتك، ولا خوفاً من عقابك.. إنما وجدتك أهلاً لمحبتي، فأحببتك. وكي اكون اكثر وضوحاً، أقول لك: لولاك يا علي ما كنت مسلماً.. ولا آمنت بالدين كله.. ولا كنت قد اقتنعت بمذهب.. فانت ديني الذي اليه (اهتديت)، ومذهبي الذي اليه انتميت، ورسالتي التي آمنت بها، رغم أني اعرف ان كلامي هذا سيغضبك، لكنّي متأكد من أن صدرك الواسع، وحلمك الشاسع، كفيلان بإنقاذي من زعلك! فدعني أبدأ من طفولتي، وصباي أولاً، حيث جذري الأول، والطين الحُرّي كما يقولون.. واسمح لي ان أقول بأني ولدت في بيت مؤمن بك إيماناً عظيماً، وباذلٌ في سبيل حبك ما يقدر على بذله، ويكفي ياسيدي أن والدي رحمه الله قد آمن بك، وجعلك قدوته، وقبلته، وهو لم يتعدَّ العاشرة من عمره، ليبقى مخلصاً لمبادئك، وتابعاً لنورك، ومتشيعاً بنهجك، حتى يوم رحيله بعد أن تجاوز التسعين بسنوات.. لذا فإن من يعيش في مثل هذا البيت لا يمكن أن لا يكون (علوياً)، ولا يمكن أن لا يكون عاشقاً لعلي حد الهيام!!
فمن هذا الحليب المقدس رضعت، وامتلأ قلبي وعقلي وكل مسامات روحي وجسدي بحبك سيدي، حتى أصبحتُ (تابعاً) لهواك دون ان ادري. وبناءً على هذا الحب، صرتُ شيوعياً !!ً
لقد كنت أقرأ الكتب الشيوعية مثل المادية الديالكتيكية، والمفهوم المادي للتاريخ، ورأس المال، وغيرها، وفي الوقت ذاته كنت أقرأ، نهج بلاغتك المبجَّل.. فأشم حروفه شماً، حتى كبرتُ، وكبرت معي رؤاي الإشتراكية المعطرة بأنفاسك العطرة..
ولا اخفيك سيدي، فقد أحببت القائد الشيوعي سلام عادل.. واحببت معه عمار بن ياسر، وحين أحببت جمال الحيدري أحببت قبله سلمان الفارسي، ولما عشقت الشهيد حسن السريع، عشقت معه الشهيد حبيب بن مظاهر الأسدي، أو البطل المقداد بن أسود الكندي، أو غيرهم..
فتداخل العشقان في قلبي، وتشابكا، حتى بات احدهما يكمل الآخر .. وهو تداخل وتشابك غريب في مجتمعنا الشرقي الذي لا يعرف جوهر رسالة علي بن ابي طالب ولا يعي جوهر الفكر البروليتاري المؤسس على فكرة الصراع الطبقي.. فالصراع بين المستضعفين، والطغاة، والأغنياء الفاسدين.. هو الصراع نفسه بين الكادحين، ومستغلينهم. ومعنى هذا ان مدرسة علي، التي تضم في صفوفها جموع الفقراء، والمظلومين والمحرومين والشهداء، هي المدرسة نفسها التي يناضل الحزب الشيوعي من اجلها ومن اجل محروميها.
وقد كان من الطبيعي ان أتعرض الى سوء فهم من قبل أصدقائي، ورفاقي، وأن أعاني من الذين لم يفهموا للأسف سرَّ هذه المعادلة رغم بساطتها.. ولم يتمكنوا من فك لغزها رغم سهولته.. فمنهم من يتهمني بالشيوعية (الملحدة) ومنهم من يتهمني بالشيعية (الطائفية).. بينما انا غير ذلك، فلا انا (ملحد) ولا أنا طائفي. والمصيبة أن بعضهم يقول لي كيف تحب علي بن ابي طالب وانت شيوعي (زنديق).. او كيف تكون شيوعياً أممياً، وانت (شيعي)؟!
فكنت أجيبهم بالقول: انا جندي في الفصيل (التقدمي) للعظيم علي بن أبي طالب.. وما انتمائي اليه، إلّا انتماء خالص لوجهه الكريم. لا أريد من ورائه جزاءً ولا شكوراً. والفرق الوحيد بيني وبين غيري من أتباع علي، ان صورتي في هوية الانتماء (شيوعية) وليست دينية.. وأن خطي (علماني).. وليس إسلامياً..
فعلامَ هذه الدهشة وهذا الاستغراب، وعلي بن أبي طالب نفسه قال:
(الناس صنفان .. إما اخ لك في الدين.. او نظير لك في الخلق)؟! فما المشكلة في أن أعشق علياً -وانا المسلم -وقد عشقه قبلي ملايين المسيحيين، والعلمانيين، والبوذيين، والهندوراس واللا دينيين وغيرهم من الملل والأجناس البشرية؟
ختاماً سيدي أبا الحسين أقول:
إذا كان للناس أجرٌ واحدٌ في حبك.. فأنا أستحق أجرين اثنين: أجراً أشترك به مع الناس الآخرين ثمناً لتبعات حبك.. وأجراً لأنّي شيعي.. شيوعي .. مزدوج!!