بقلم : محمد عبد الجبار الشبوط …
اضحى الحديث عن انهيار النظام السياسي العراقي الحالي، احتماليته واخطاره، علنيا وصريحا. وغادر الكثير من الباحثين والسياسيين، ومنهم الاخ العزيز نوفل الحسن، دائرة الحديث غير المباشر، ودخلوا منطقة التحذير المباشر من هذا الخطر القريب. فقد وصل العراق الى نهاية الطريق المسدود. سياسيا تآكلت الثقة بين النظام السياسي وبين عامة الناس. وكما قال الامام علي عليه السلام: “وليكن احب الامور اليك اوسطها في الحق , واعمها في العدل واجمعها لرضا الرعية , فان سخط العامة يجحف برضى الخاصة ,وان سخط الخاصة يغتفر مع رضا العامة.” والعامة ساخطة هذه الايام ولا ينفع معها “رضا” جمهور الاحزاب الضيق على “زعمائها” الحزبيين او العائليين. كما تآكلت الثقة بين الاحزاب نفسها، مما سبب في عجزها عن تشكيل حكومة كفوءة حسب الاليات الدستورية تحظى بثقة الشعب.
واذا كان الفشل في الانجاز المقنع للجمهور في المرحلة الماضي يمكن ان يعزى الى عوامل عديدة، فان انهيار النظام السياسي سوف يعزى الى عامل واحد هو الطبقة السياسية التي تولت زمام الامور منذ عام ٢٠٠٣ الى اليوم. واغلب الظن ان انهيار النظام السياسي سوف يستجلب القليل من الحزن والاسى عليه، لكنه سوف يخلق الكثير من القلق على مستقبل البلد نفسه. فالتاريخ يقدم لنا من الشواهد ما يكفي للاعتقاد بان انهيار النظام السياسي في بلد ما قد يؤدي الى انهيار البلد نفسه، بما في ذلك اختفاؤه من الخارطة السياسية للعالم. لذا فان اي حديث عن الاصلاح يجب ان يكون هدفه الاعلى انقاذ العراق من تبعات انهيار النظام السياسي، وليس انقاذ النظام السياسي نفسه.
لا يمكنني ان اخدع القراء وابشرهم بامر لا اراه ممكنا، وهو انقاذ النظام السياسي عن طريق النظام السياسي الحالي نفسه، باحزابه ومؤسساته وحكومته التي جسدت الفشل الاخير للطبقة السياسية الحالية. فذلك لم يعد ممكنا بعد ان استنفد هذا النظام برجاله ونسائه واحزابه ومؤسساته كل امكانية ان يكون جزءً من الاصلاح وحل المشكلة، لانه في الواقع لب هذه المشكلة وجوهرها ومنشأ التسبب في وجودها وتفاقمها. اضف الى ذلك عجز النظام المتفاقم عن الخروج من المعضلة الاقتصادية المتمثلة بالنظام الريعي، والعجز عن الاستيعاب الانتاجي لقوة العمل البشرية المتزايدة عدديا كل عام بسبب تضاعف اعداد الخريجين الجامعيين وغير ذلك.
انا من الذين يعتقدون ان اصلاح النظام السياسي يجب ان يتضمن فقرة تجاوز الطبقة السياسية الراهنة، واستبدالها بغيرها، بطبقة سياسية تتمتع بالشرعية الحقيقية وبالقدرة الفعلية على الانجاز، لكن اي اصلاح لا يتضمن حل مشكلتي شرعية التمثيل وشرعية الانجاز لا يستطيع ان ينال الثقة المطلوبة. وهذا يحيل الى مسألة الاصلاح السياسي بما في ذلك اصلاح قانون الانتخابات، وقانون الاحزاب، واليات تشكيل الحكومة، واستكمال بناء الهيكلية الدستورية للدولة بما في ذلك تشكيل مجلس الاتحاد، وغير ذلك. ثم تأتي فقرة الاصلاح الاقتصادي وانقاذ الاقتصاد العراقي من حالة الاعتماد الكلي على النفط والتضخم المتزايد في توظيف الشباب في دوائر الدولة لاطفاء نقمتهم على النظام السياسي. وفقرة الاصلاح الاداري بما في ذلك تيسير الاجراءات الحكومية والقضاء على الروتين والبيروقراطية. واخيرا الاصلاح التربوي طويل الامد الذي يتكفل بتنشئة الاجيال الجديدة على مباديء الدولة الحضارية الحديثة بما في ذلك مبدأ المواطنة والديمقراطية وحكم القانون.
السؤال الاهم بعد ذلك هو: كيف يتم تحقيق كل هذه الاصلاحات ومفتاحها بيد برلمان هذه الطبقة السياسية الفاشلة وحكومتها غير الكفوءة؟
هذا هو السؤال الذي يتجنب الكثيرون الاجابة عنه خوفا من الرعب الذي قد يسببه الجواب الصريح!