بقلم : أياد السماوي …
في مقالنا ليوم أمس ( أضواء على خارطة التحالفات السياسية القادمة ) كنّا قد استعرضا ملامح شكل هذه التحالفات وفق الخارطة السياسية القائمة , وأوضحنا أنّ إمكانية ولادة تحالف سياسي عابر للطائفية قائمة بل وممكنة .. ووفقا للمعطيات السياسية الحاضرة وطبيعة الظرف السياسي الذي يمرّ به البلد , فإنّ إمكانية إعادة تجربة تحالف البناء لا زالت قائمة وضرورية , ولكن هذه المرّة لن تكون نسخة طبق الأصل من التحالف السابق لأسباب عديدة .. فبعد إغلاق عملية تسجيل الكيانات والتحالفات السياسية في المفوضية العليا المستقلّة للانتخابات , وما تمّخضّت عنه عملية تسجيل هذه الكيانات الجديدة , فإن شكل الخارطة السياسية لهذه الكيانات قد اتّضحت معالمها .. وقلنا أنّ تحالفا سياسيا سيجمع تحالف الفتح وتحالف دولة القانون وتحالف العزم , سيكون هو حصان الرهان الرابح في هذه الانتخابات , خصوصا إذا ما جاءت صناديق الاقتراع بما هو متوّقعا , وحققت هذه التحالفات الثلاثة نتائج جيدة ..
النسخة الحالية الفاشلة من تحالف البناء كانت قد أملتها ظروف سياسية معقدّة تمحوّرت حول كيفية إبعاد رئيس الوزراء حيدر العبادي من توّليه رئاسة الوزراء لدورة ثانية , وكان لإيران دور كبير في إنتاج هذا التحالف , حيث قاد الشهيدان قاسم سليماني وجمال المهندس عملية ولادة هذا التحالف المشوّه .. والبرغم من أنّ تشكيل تحالف البناء من حيث الشكل كان خطوة صحيحة باتجاه كسر التحالفات القائمة على أساس طائفي , إلا أنّه من حيث المضمون كان خرقا سياسيا خطيرا أنتج أسوأ تشكيلة رئاسية في حقبة ما بعد الديكتاتورية .. ومما زاد في الطين بلّة توّلي هادي العامري زعيم تحالف الفتح قيادة هذا التحالف , حيث تسبّبت هذه القيادة الساذجة بخطايا دفع العراقيون ثمنها الباهض , ولعلّ أبرز هذه الخطايا هي وصول مصطفى الكاظمي إلى رئاسة الوزراء , والحقيقة أنّ اقلّ ما يقال عن هذه القيادة هي وضع الشخص غير المناسب في المكان غير المناسب ..
إنّ أهمية تشكيل كيان سياسي عابر للطائفية لم تعد مهمّة لتجاوز الاستقطابات الطائفية البغيضة فحسب , بل إنّ أهمية هذا التحالف تتعدّى ذلك إلى ضرورة إعادة اللحمة الوطنية إلى النسيج الاجتماعي العراقي الذي تعرّض إلى تشّققات خطيرة بعد سقوط الديكتاتورية , والبدء بمرحلة إعادة بناء مؤسسات البلد بعيدا عن نظام المحاصصات الطائفية والقومية والحزبية , والشروع في وضع الرجل المناسب في المكان المناسب , والتصدّي للفساد الذي ضرب كلّ مفاصل الدولة وأركانها .. ومن أجل تجاوز إخفاقات النسخة الحالية المشوّهة من تحالف البناء , فلا بدّ أولا من تغيير نمط قيادة التحالف الجديد لتكون قيادة جماعية تتكوّن من رؤساء التحالفات الفرعية لهذا التحالف , كما ولا بدّ أيضا من تحديد آليّة ديمقراطية في اتخاذ القرارات والمواقف السياسية , وأن تكون مشاركة المكوّنات الأخرى غير الشيعية , مشاركة حقيقة وفاعلة في اتخاذ القرارات .. كما وقد آن الأوان لنقل القرار السياسي للتحالف من الخضوع شبه الكامل للعامل الإقليمي إلى الخضوع الكامل لمتطلبات القرار الوطني , وما تتطلّبه مصالح البلد أولا .. فلا مصلحة تعلو على المصلحة العراقية .. ولا قرار يعلو على القرار الوطني العراقي ..