بقلم : أياد السماوي …
شريط الذكريات عاد بي إلى الثاني من نوفمبر عام 1968 , عندما شاركت لأول مرّة في حياتي في التظاهرة التي خرجت من ثانوية السماوة للبنين في ذكرى وعد بلفور المشؤوم , ولا زالت كلمات خطبة مدير المدرسة المرحوم عبد الجليل حسن التي ألقاها على الطلبة قبل انطلاق التظاهرة حاضرة في وجداني .. حينها كانت الحناجر تهتف بصدق وعفوية بزوال دولة إسرائيل وتحرير فلسطين بالكامل وإزالة آثار هزيمة الخامس من حزيران .. في ذلك الوقت كانت التظاهرات في ذكرى وعد بلفور تنطلق في كلّ أرجاء العراق , وفي ذلك الوقت كانت فلسطين والقدس الشريف تجري في عروق كل عربي , وكانت فلسطين همّا يوجع ضمير كلّ عربي ومسلم .. كانت الجماهير العربية في ذلك الوقت تعيش حلم تحرير فلسطين وزوال دولة إسرائيل , ولم تكن تعلم أنّ الحكّام العرب جميعا كانوا عملاء لإسرائيل , وأنّهم يدغدغون عواطف هذه الجماهير ويخدعونهم بشعارات تحرير فلسطين من أجل البقاء في مناصبهم وبقاء أنظمتهم الديكتاتورية الفاسدة .. ومنذ أن وعيت هذه الحقيقة المرّة , لم أعد أتعاطف مع أي دعوّة للتظاهر ضدّ إسرائيل حتى وإن كانت هذه الدعوات صادقة ونابعة من وجدان نقي وغير ملوّث .. لأنّي أدركت أنّ تحرير فلسطين والقدس الشريف واستعادة الحقوق المسلوبة للشعب الفلسطيني وعودته إلى أراضية , لا يأتي من خلال الصراخ والعويل وشعارات الشجب والاستنكار , بل من خلال العمل الجاد والتفوّق العلمي والتكنولوجي على إسرائيل , وإقامة الأنظمة الديمقراطية ..
سبعون عاما ونيف ومنذ قيام دولة الكيان الصهيوني الغاصب في فلسطين عام 1948 , والعرب والمسلمون يتظاهرون ويشجبون ويستنكرون العدوان والجرائم التي يقترفها هذا الكيان الغاصب بحق الشعب الفلسطيني والشعوب العربية الأخرى .. لكن ما هي النتيجة التي تمّخضت عنها مظاهر الشجب والاستنكار ؟ هل استطاعت هذه المظاهر أن تغيّر من اتجاهات الرأي العام العالمي الذي تديره الماكنة الإعلامية الصهيونية ؟ وهل استطاع العرب والمسلمين دفع الرأي العام العالمي بتبّني قرارات الأمم المتحدّة وقرارات مجلس الأمن الخاصة بفلسطين ؟ خصوصا بعد أن تبّنت معظم الدول العربية والإسلامية التطبيع مع إسرائيل واعترفت بها كدولة وأقامت معها العلاقات السياسية والاقتصادية ؟ .. وهل ستنفع هذه التظاهرات المليونية التي من المقرّر أن تنطلق اليوم في بغداد أهالي غزّة الذين يتعرّضون للإبادة تحت قصف طائرات الكيان الصهيوني ؟ أم أنّ هذه التظاهرات هي لاستعراض قوّة من دعا إليها تحت غطاء التضامن مع شعب فلسطين ؟ .. فالذي يريد أن يدعم الشعب الفلسطيني ويريد تحرير القدس الشريف , عليه أن يقدّم المال والسلاح لهم بدلا من هذه الاستعراضات التي لا تردع العدوان .. فالذي يدعم صمود الشعب الفلسطيني ويردع العدوان هي صواريخ الحق التي انطلقت من غزّة باتجاه تل أبيب وعسقلان , ومن يريد أن يشارك ويساهم في دعم الشعب الفلسطيني , فعليه تقديم المال والسلاح .. وإذا ما عندك حبيبي لا مال ولا سلاح تدعم به أهل غزّة الأبطال في تصديهم البطولي للكيان الصهيوني الغاصب .. اطبك وصير على صفحة حبيبي ..