بقلم :- حيدر عبد الجبار البطاط …
لا يمكن ربط عاشوراء الإِمام الحُسَين (عليه السلام) بسياقاتها التاريخية حصراً، مثلما لا يمكن فك ارتباطها عن ذلك التاريخ، فهي الثورة الإصلاحية الحية التي تفجرت لتصحح مسار الانحراف في الأمة الإسلامية، واستمر صداها يتخطى القرون عابراً الآفاق نحو المستقبل.
كما لا يمكن ربطها بالإسلام حصراً، مثلما لا يمكن فك ارتباطها عنه وهي جاءت حاملة لمبادئه، باذلة التضحيات في سبيله.
فهي ثورة إنسانية لكل أبناء البشرية، منبثقة عن الإسلام الذي هو دين الإنسانية المنزل من رب العالمين جميعاً، وإليهم جميعاً، في كل زمان ومكان.
إن تاريخية عاشوراء الإِمام الحُسَين (ع) لا تعني ارتباطها بالماضي حصراً، وإن كانت قد حدثت فيه فعلاً ضمن مفهومنا المعاصر، بل إن تاريخيتها تعني أزلية استمرارها.
كما هي أزلية وجود الظلم والفساد، وأزلية تحقيق الإصلاح. مثلما أن ثوريتها تعني ضرورة وحتمية السعي نحو الإصلاح حتى وإن بلغت التضحيات ذروتها.
وكذا ارتباطها بالمكان، فمع أن كربَلاء مهدها، ومركز انبثاقها، إلا أن مداها يعبر حدود الطف إلى سائر أرجاء المعمورة، وأينما يوجد من يعتز بإنسانيته ويشعر بها، ويريد أن يكون سيداً صالحاً لا عبداً لفاسد.
لقد فرضت السلطة الأموية على الإِمام الحُسَين (ع) أن يكون جزءً من مشروعها الفاسد، بل وحتى تابعاً له، وذلك بإرغامه على تأييدها عبر أخذ بيعته لها، ولم تمنحه خياراً آخر سوى تصفيته الجسدية دون أدنى اعتبار لأي محترم ولا حتى مقدس ، (اقتلوا الحُسَين ولو كان معلقاً بأستار الكَعبَة)؟!
هكذا جاء أمر السلطة !!!
ومع رفض الإِمام الحُسَين (ع) المبدئي لتأييد السلطة عبر مبايعتها، مما يعني إضفاء الشرعية على فسادها، جاءت لَهُ كتب البيعة والتأييد مؤكدة دعمها له في مشروعه الإصلاحي، و هذا يعني انهُ (وجد الناصر) المفترض.
حدد الإِمام الحُسَين (ع) وشخص واقع الفساد ومكامنه في السلطة، وانطلاقاً من رؤية الشريعة الإِسلامِيَّة، والسنة النَبَوِيَّة، والتجربة العَلَوِيَّة.
فأنكر ظاهرة تركز السلطة في حزب واحد (الحزب الأموي)، وتركز الظاهرة الحزبية في الزعيم الواحد (الخليفة الحاكم)، وتعطيل التشريع لصالح تشريعات تنظر فقط في مصالح الحاكم وحزبه والطبقة السياسية دوناً عن مصالح الجماهير والأمة والدولة.
المحسوبية في تولي المهام الإدارية والقيادية، واعتماد الولاء للحاكم والسلطة على حساب معايير الكفاءة والنزاهة ، والتمييز بسائر أنواعه،والتخلي عن القيم الإسلامية لصالح قيم المرحلة السابقة (الجاهلية).
ناهيك عن الفساد المالي المنطلق أساساً من فكرة أن المال العام هو ملك الطبقة السياسية، وأن تصرفها فيه هو حق مشروع لها ، وفوق ذلك كله، ارتداء السلطة للدين كغطاء يسوغ ويشرعن فساد سلوكها.
إن ما تقدم كان قد صرح الإِمام الحُسَين (ع) به وجاهر علناً، وفي أكثر من موضع وموقع، سواء في مرحلة إمامته (ع) أو في ثورته ، وكان أسلوب الحوار مع الآخر، أياً كان، وإلقاء الحجة، كان هو السيد في ذلك، وبغض النظر عن مدى قناعة الآخر ونسبتها، فالرسالة التي يحملها، والمشروع الذي نهض به لم يكن موجهاً لإشخاص تلك المرحلة فحسب، بل لجميع الإنسانية عبر أجيالها المتعاقبة.
فسياسته القيادية لم تكن مقتصرة على جانب معين، ديني أو سياسي أو عسكري أو إداري، بل هي قيادة لمشروع الإصلاح الإلهي للإنسان، وفي ضوء القيم والمعايير التي أرادها الله عَزَّ وَعَلا للإنسان، وجعله مؤهلاً لخلافته في الأرض. ومن ثم، لا يمكن اختزال ثورة الإِمام الحُسَين (ع) الإصلاحية بلحاظ الماضي .
مثلما لا يمكن اختزال أعداءه بأولئك الأشخاص الذين وردت سيرهم في كتب التاريخ. ذلك أن أعداؤه وأنصاره موجودون في كل عصر ومصر ، وهم باختصار الفاسدون والمصلحون، ولا مكان لثالث بينهما، (مَن سَمعَ واعِيَتَنا أَهلَ البَيتِ وَلَم يَنصُرنا، أَكَبَّهُ اللهُ في النارِ عَلى وَجهِهِ يَومَ القِيامَة).
فعاشوراء الإِمام الحُسَين (ع) لم تنتهِ عصر العاشر من محرمٍ الحرام سنة 61 للهجرة، بل من هناك ابتدأت وانطلقت. فـمبادئه (ع) لم تقتل لحظة استشهاده، مثلما أن أعداؤه لم ينتصروا حين قطعوا رأسه الشريف.
وأن نداؤه (ع): (هل مِن ناصِرٍ يَنصُرُنا؟) ما يزال موجهاً لجميع أبناء الإنسانية الذين يستشعرون العزة، وهي من خصال المؤمنين: (وَلله العِزَّةُ ولِرَسولِهِ وَلِلمؤمِنين)، ويهتفون (هَيهات مِنّا الذِّلة)، كما هتف بها الإِمام الحُسَين (ع) وطبق مصداقها ، إن الشعار الثوري الهادر (لَبَّيكَ يا حُسَين) يجد مصداقه حصراً في التمسك بثورة الإِمام الحُسَين (ع) ونهجها الإصلاحي في مقارعة الظالمين ومحاربة الفاسدين، وإلاّ فإن عجلة التاريخ لا تدور نحو الوراء.
فمن أراد الفوز العظيم مع الإِمام الحُسَين (ع) ليكن مع ثورته الإصلاحية في هذه الدنيا، ويقيناً سيكون معه في الدار الآخرة.