بقلم : هادي جلو مرعي …
التواطيء سبب في إنهيار المشاريع الكبرى، وفي هزيمة الجيوش، وفي زوال مجد الأمم، ولعلها في الحالة العربية ساهمت في تعطيل مشاريع البناء والتنمية، وقد توفر الشعوب ظروفا ملائمة لبقاء وتغول جماعات سياسية تتحول بمرور الوقت الى مافيات، وتمتلك جمهورا من النفعيين والمصلحيين الذين يجدون أنهم لايستطيعون الإنفكاك عن تلك المافيات الحزبية، وتدريجيا يجدون أنهم جزء منها، ومدافعون عنها، وتصل بهم الأمور الى درجة الشعور بضرورة الإيمان بها، وعدم التفريط بالولاء لها على قاعدة الربح والخسارة. وحين يتأكدون أنه لامناص من العمل معها، والإستمرار في بذل الجهد لتنميتها وإستمرارها، يتحركون دون كلل، أو ملل في سبيلها.
في الحالة العراقية التي تجذرت منذ عقود طويلة حيث يتحول الناس الى عبيد للنظام السياسي نشأت ثقافة صار صعبا الفكاك منها، وإنتقلت الى العصر الراهن الذي نعيش اليوم حيث القوى النافذة تمتلك سلطة القرار والتأثير والمال، وتستقطب الموالين والأنصار، وتنهج في ذلك سبلا شتى تفتح بها أبوابا للعمل والكسب والصعود والحصول على المناصب كما رأينا منذ مايزيد على العقد والنصف من الزمن حيث الإنتخابات والتوافقات والصفقات، لكن وبمقابل ذلك نشأت طبقة غنية، وجماعات إرتزاق وفساد، قابلها ملايين الجياع والمحرومين والناقمين على النظام السياسي.
ولد ذلك حالة من التواطيء الشعبي، وسبب خيانة شعبية عامة حيث يصوت الناس لجماعات سياسية رغم ملاحظتهم للفشل الذي تعيش، وللخراب الذي سببته، وكأنها حالة إدمان مرضية حيث يلجأ المدمنون الى تناول العقاقير المخدرة والسجائر والخمور وهم موقنون بحجم الضرر الذي تسببه للجسد والعقل والروح والكيان العام للنفس البشرية، ونجد إن كتلا سياسية تفوز بمقاعد برلمانية عديدة وهي جزء من حالة الفشل السياسي، وتقع عليها مسؤولية الفساد، ويظهر الى العلن فساد منتمين لها وموالين، وبرغم ذلك تستمر بحصد نقاط الفوز، وتتهيأ لها عوامل النجاح السياسي على صعيد الكسب، وليس النجاح على صعيد بناء الوطن الذي يتحول رويدا الى مايشبه الفريسة التي تنهشها الضباع، وتحيلها الى مجرد أشلاء وعظام متناثرة هنا وهناك ولايبقى لها من اثر.
التواطيء الشعبي واضح في الحالة العراقية للأسف، ولكل قوة سياسية فاسدة جمهورها الذي يدافع عنها، ويحمل مسؤولية الخراب لجهة منافسة، وهذا يرقى الى مستوى الخيانة حين ترى بلدك يتعرض الى الخراب من قوى نفوذ سياسي وتستمر في الدعم والتضحية وكأنك مريض نفسي، أو مدمن عقاقير منشطة، أو مخدرة، وأنت بذاتك تدفع الثمن من حياتك، وتعرض مستقبل أبنائك الى الخطر لأنك وضعته في أيد غير أمي