بقلم : حسن المياح …
— هي التفكير بالهجرة من الوطن العراق ، ومغادرته طلبآ للسلامة والراحة والإستجمام ، والعيش الآمن السعيد ترفآ ماديآ بلا كرامة ولا شرف ، ولا وطن ولا ضمير حي ، ولا شجاعة ولا بطولة ، ولا تضحية ولا تفكير عودة ندمآ — … ؟؟؟ !!!
لم أفكرأبدآ ، ولا لحظة ، طيلة حياتي التي نيفت بها على السبعين سنة بدخولي العام الثاني بعدها … ، أن أغادر وطني وموطني العراق ، وأعيش بعيدآ عن المآسي والمظالم التي تعرض لها شعبي ، شعب العراق ، الذين هم ناسي الأغلى ، وأحبائي الأفضل ، وأهلي الأرقى والأجمل …. لأنه لم يطاوعني عقلي ، بل لم يفكر فيها ولو هذرآ ووسوسة ومطاوعة شيطان ، ولم ترتضيها نفسي ، ولم يقررها وجداني ، لأن التربة العراقية لها حوبة ، ولا تفيد معها التوبة ، لأن الذي يفارقها يندم طيلة عمره ، وكل ما تبقى من حياته ……
حسي مرهف ، وشوقي أبلغ تأثرآ ، وعشقي أدهى وأمر …. الأرض أرض أجدادي وأبائي وأرضي ، من فاضل خصبها وينع ثمارها رضعت الحليب ، ومن طهر ثدييها تذوقت طعم عقيدة لا إله إلا الله وبهاء رونق الوطنية …. لأني من فاضل طينتها خلقت ، وعلى نباتها عشت وترعرعت ، ومن ثقافتها إرتويت ، ومن فاضل ناسها تعلمت الخلق والأدب النبيل الرفيع ……
وبعد كل هذا ، هل يحق لي أن أفكر بالهجرة والتعرب ، أو بالمغادرة والتهرب والتشرد ، أو نسيان ما درجت عليه عقيدة وغذاءآ ، وتربية وصداقة أتراب ، وما فيها من قيم خلقية عزيزة لا مثيل لها مقاربة شبه في أي أرض أفكر في السفر اليها ….. والذي ينكر أصله ، فهو الهجين ، البائع الذمة والضمير ، واللاوفاء يحيط ويلبد سلوكه الذي يتعامل به ، ومن خلاله …….
لو خيرت مرة ، ومرة ، وألف مرة ، والملايين من المرات ، وما لا ينتهي فيه التعداد والحساب من تسجيل المرات والمحاولات …. بين البقاء والمكوث في أرض العراق بلدي الحزين المتأوه ظلامات ومآسي ، وبين الهجرة منه ، ومغادرته ، ولو فرش لي الطريق ذهبآ ….. لما فضلت الذهب الخلاب الجذاب على تبر وترب العراق ، وتراب وتربة وطني الحبيب الحبيب ، وبالرغم مما يعانيه شعبي وأنا من ظلم وحرمان ، ولوعة وهجران ، وسلب حقوق وتيهان ، في حلوك ظلم دياجير دكتاتورية الذوات الحاكمة المجرمة العميلة المتسلطة نهبآ وإرهابآ ، على تربة وتراب وثروات وكنوز وشعب العراق ….. وكيف أكون عراقيآ نجيبآ يفدي تربة وطنه ، ويصون مقدرات وكرامة شعبه ، بما أملكه من قدرات ومؤهلات وطاقات ….. وأترك تربة العراق … ، وشعب العراق … ، وثروات العراق والعراقيين … ، وأغادره ، وأنفصل منه ، وأتنصل عنهم ، وأنساهم ، ولا أشاركهم مما أنا منهم وفيهم معاناة ومقاساة ، وحرمانات وإهمالات ، ولا أكون معهم ، وفيهم ، ومنهم ، بل في مقدمتهم مشروع تضحية وإستشهاد من أجل عقيدة لا إله إلا الله والكرامة الإنسانية المؤمنة العظيمة ، والوطن العراق ، والإيمان الرسالي الذي أنا فيه أصول تربية وتهذيبآ ، وأجول مسيرة وسلوكآ ….. العراق عراقي أنا وشعبي المستضعف المحروم ، الصابر الغاضب ، الناهض تقوى عقيدة ، وشجاعة إيمان ، وفروسية مواطنة ، وبسالة تحمل الضيم والعذاب ، والهجران وإستئثار ذات الحاكم الطاغية الناقم ، ممن هو منه ؛ ولكنه لم يكن معه وفيه بسبب ما أصابته من هجنة عمالة أجنبية ، الذي يشاركك ما أنت عليه يا شعب العراق ، لما كان يحكمكم كلكم ، جميعآ ، دكتاتور من العوجة مجرم ناهب لئيم ظالم ، متسول وضيع سوداوي سادي ناقم ، منحرف سافل رذيل شديد العنف والقسوة صارم عفرتة جبان عميل هارم …..
كيف أقنع من نفسي بأن يقال لي وعني أني عراقي ، ولا أكون منكم ، ومعكم ، وفيكم ، ولا أشارككم ولا أتحمل معكم الظلم والضيم ، ولا أستنهضكم — بكل مسؤولية وتكليف إلهي الذي سأحاسب عليه يوم القيامة — همة إرادة وطنية مؤمنة ، شجاعة واثبة باسلة ، مطالبة بالحقوق المسلوبة المنهوبة ، المهدورة إنفاقآ مسرفآ على الأحزاب والذوات اللئيمة المجرمة الحاكمة ، وما يحيطها من أذناب ذل قربى ، وهوان تحزب متصنم راهل راذل ، مقادآ تبعية عبودية جاهلية صنمية توثين ذوات فاسدة طاغية ناهبة بائسة ، متغولة سلوك إجرام وطغيان عمالة مأجورة ….. ، وكيف لا أكون معك — يا حبيبي شعب العراق الأبي المؤمن ، التقي النقي ، النحرير الصابر — في الجوع والحرمان مقاساة وعذابات ، وفي الضيق واللامبالاة ، من حاكم جرب الغربة – لما ضاقت عليه الأرض بما رحبت وإتسعت – والهجرة ، وعاد خائبآ مهزومآ بلا عقيدة ولا شعور وطنية … ، فحكم وظلم ، وجار وإنتقم ، وحرم وأجرم ، وأبعد وإستأثر ، وإستعلى وإستكبر على هو من جلدته عقيدة ووطنية ، وكرامة ومسؤولية ، ودمآ وإجتماع لحم وعظم نميا وكبرا حجمآ من خصب تربة العراق الوطن ……
حب تربة الوطن فطرة وغريزة …. ومثالها قدوة وتأسية ، بأعز خلق الله على خالق الكون ومكوره وباسطه وجعله على إستواء الله سبحانه وتعالى ، نبيه الأكرم محمد بن عبدالله سيد العرب والعجم ، الذي كان يحن الى تربة مسقط رأسه في مولده ، وكانت هي وعاء عيشه وجمال سرور حياته ” مكة المكرمة الطاهرة الجليلة ” ، وهي وذكرياتها لا تغادر عقله ولا مخيلته ، ولا وجدانه ولا ضميره ، لما أجبر على الخروج منها على يد من أشرك بالله ربآ خالقآ ….. ولكن لم يتركه ربه الرؤوف الرحيم — ودينه الإسلام رسالة السماء الإلهية التي تعبر وتذكر وترشد وتقول على لسان نبيها العظيم محمد بن عبدالله صلى الله عليه وآله أن “” حب الوطن من الإيمان “” — ، بل أخذ الله سبحانه وتعالى يبشبش بإذن محمد ليوطنه ويسليه ، ويسعف حاله من فراق وطنه مكة ويهدأ باله ، ويؤكد له ويخبره بقوله الكريم في القرآن العظيم الحكيم “” إن الذي فرض عليك القرآن لرادك الى معاد “” فسر النبي محمد وإستسر ، وسر أخاه عليآ بن أبي طالب وأبلغه عليهم السلام جميعآ بالعودة الى الوطن مكة ، بعد هجرة وغربة ……
ومع شديد الألم والحسرة والأسف ، أن الشعب العراقي المستضعف المظلوم ، الصابر المحتسب المحروم ، يعيش الغربة وهو في الوطن ، لأن الحاكم الظالم ، الدكتاتور المتصنم ، المتسلط الناقم ، هو الذي جعل من الوطن العراق غربة وهجرة ، تنفيذآ لأمر الأسياد الأميركان الصليبيين ، والصهاينة الماسونيين المحتلين ، لما هو في عمالة وعبودية جاهلية صنمية بشرية …..
حسن المياح – البصرة .