بقلم : فالح حسون الدراجي …
اتصل بي صديقي بعد خمس دقائق من اعلان فوز النجم الأرجنتيني ليو ميسي بالكرة الذهبية السابعة، ليسألني، والغضب يلهب كلماته، رغم محاولته الحفاظ على هدوئه، والظهور أمامي بجأش مربوط! علماً أنه يعرف أني من أشد المعجبين بالنجم ميسي.
لكن صديقي طرح في اتصاله، سؤالاً غريباً، قال فيه: ” برأيي أن ميسي لا يستحق الكرة الذهبية.. ألا تتفق معي في الرأي؟
قلت له ببرود تام: أنا لا أتفق معك مطلقاً، لأن منح الكرة الذهبية قرار جماعي وليس فردياً، بمعنى أنه غير قابل للتحيز، خاصة وأن المصوتين جاؤوا من بلدان وشعوب وأديان مختلفة، ومع هذا، فقد تتدخل العواطف الفردية أحياناً !
لقد حاولت قدر الإمكان ان أخفف من (الأسى) الجاثم على صدر صاحبي، رغم أني أعي تماماً أنه (قافل ضد ميسي)، حاله حال بقية (القافلين) في أسرتي وفي ميادين عملي، وعلاقاتي الاجتماعية.
وهنا ردّ صديقي بلهجة حادة قائلاً: يا قرار .. يا شعوب .. يا بطيخ، عمي (الخليفي) اشترى هذه الجائزة لميسي بفلوسه، نكاية بنادي برشلونة، وليؤكد للعالم أن ميسي لم يخسر حين ترك برشلونة وانضم لباريس سان جيرمان
نعم، هكذا قال صديقي، رغم أنه يعلم أن ميسي حين فاز بالكرة الذهبية الأولى، كان هذا الخليفي (يسرح بالبعران)!
ولم يمهلني صديقي أكمل حتى قاطعني قائلاً: إذا لم يكن كلامي صحيحاً، قل لي أنت، كيف منحت الكرة الذهبية لميسي ولم تمنح الى (ليفاندوفسكي) الذي حقق نتائج أفضل منه ؟
قلت له: لقد تم اختيار ميسي للجائزة بطريقين، أحدهما مادي محكوم بالارقام والكؤوس، والثاني فنتازي، محكوم بالشعر والحلم والخيال والسريالية.
وأكملت قائلاً:
بالنسبة للطريق المادي المرقم، الذي قاد ميسي الى الكرة السابعة، فهو طريق كأس كوبا امريكا، الذي حمله ميسي بيديه الى “بوينس آيرس” وكأس ملك اسبانيا الذي حمله بيديه لكتالونيا فضلاً عن أن ميسي كان هداف كل الدوريات التي شارك فيها العام 2021، في حين ان (ليفاندوفسكي) لم يفز بأي كأس قاري، أو عالمي، سوى فوزه مع نادي بايرن ميونخ بالدوري الألماني!
والغريب إن أحدهم كتب: إن (ليفاندوفسكي)، استحق الجائزة في العام الماضي، لكنها ألغيت بسبب الجائحة، وحرم منها، لذا يتوجب منحه الجائزة هذا العام تعويضاً عن فقدانها في العام الماضي)!!
إن هذا الشخص يتحدث وكأن مجلة(فرانس فوتبول) محل يبيع الطرشي في سوق الصدرية، وليس مؤسسة عالمية فخمة وشهيرة!
إنه لأمر مضحك حقاً .
وثمة معلق (أردني) ظهر على قناة (بي ان سبورت)، يقول دون حياء : (ليفاندوفسكي أحق من ميسي بالجائزة) !
وحين سأله المذيع: لماذا؟
قال: ( لأن أمه بطلة العالم بالجودو، واخته بطلة بولندا بالتايكواندو، وزوجته حاملة الحزام الاسود في الكاراتيه)
فتخيل، كيف أن معلقاً رياضياً محترفاً يريد منح الكرة الذهبية الى اللاعب ليفاندوفسكي لأن زوجته تحمل الحزام الأسود في لعبة الكاراتيه!
قاطعني صديقي قائلاً:
الطريق المادي فهمناه، ولكن ما هو الطريق الفنتازي الذي أوصل ميسي للكرة السابعة؟
قلت:من المستغرب أن أجد شخصاً عاقلاً مثلك، لديه الذوق، والاحساس بالجمال، وله أنف يشم شذى الورد من بعد ميل، ويملأ رئتيه عبق الأرض حين يهطل المطر، ويلامس رذاذه ترابها، ولديه أذن مرهفة، تعشق الموسيقى، وتطرب لغناء أم كلثوم وفيروز ، وداخل حسن وناظم الغزالي، وعبد الحليم حافظ، وتسمع فرانك سيناتر، وأديل، وابراهيم تاتليس وله عينان لا تريان القبح، فهما مبرمجتان أبداً على الجمال دون غيره، لذا اسمح لي ان أسألك: كيف لواحد مثلك، مسكون بالجمال والروعة، يتصل بي في هذه الساعة ليسألني غاضباً عن أسباب منح الجائزة لميسي؟!
إن ميسي يا صديقي مثل الشعر والموسيقى والمطر والبساتين، وكالنهر والقمر ورغيف الخبز الحار، فهو بصراحة خلاصة الجمال الكروي، بل هو الإختصار المفيد لتاريخ وجغرافية كرة القدم كلها، من بوشكاش الى (بيدري)..
لذلك أرى أن ميسي يستحق الكرة الذهبية كل يوم، وكل مباراة، بل ويستحقها حتى وهو يجلس في بيته، ويلعب مع تياغو، و( أم تياغو )!
قال: ما هذه المبالغة؟
قلت : هي ليست مبالغة بقدر ما هي حق، فالرجل يوفر لنا متعة مجانية نزيهة، في عالم جاف، ورتيب، وممل، وخال من المتع النزيهة، وميسي برأيي سحر (حلال) لا أثم فيه ولا باطل يعتريه، وميسي نفسه الذي يمنح أيامنا الباردة والباهتة كل هذا الدفء والحياة.. لذلك هو يستحق الكثير، فلماذا تستكثر عليه كرة ذهبية كان قد نالها (مودريتش)؟
إن ميسي مثل سمفونية خارجة عن حدود بتهوفن، ومثل قصيدة مؤجلة، لم تكتب منذ زمن مجنون ليلى قيس بن الملوح، حتى مجنون ليلى، حسن المرواني..
ختاماً – قلت لصديقي: لا أعتقد أن عاقلاً يشكك في استحقاق الأرض لنعمة الشمس والمطر والسنابل .. وميسي لايختلف قطعاً عن هذه النِعَم المدهشة.