بقلم : حسن المياح …
《 الجزء السادس 》
في الحلقة الثامنة قلنا أن الغلو في الإنتماء الذي يحول النسبي الى مطلق ، سيكون بعد حين العائق لإطراد مسيرة الإنسان الحضارية ، لأنه جمود وركود وقعود تزويدآ للطاقات والقدرات والإمكانات ، لفقره هو ذاته – ذلك النسبي – منها ، وفاقد الشيء لا يعطيه ولا يقدمه . فتبقى المسيرة الحضارية التي يقودها ذلك النسبي في حالة مراوحة في المكان لفترة ما ، ثم يبدأ التراجع والتخلف والنكوص ، بعدما كان تقدمآ صاعدآ مرتقيآ درجات إبداع وألق إشراق وإنفتاح ، وذلك لنضوب النسبي من كل إمكانات وطاقات وإحتياجات الوقود الحركي الذي يزود ركب المسيرة الإنسانية الحضارية ، ليحافظ بها على إنتظام سير الحركة للمسيرة ، وإستمراريتها ، وديمومتها ، من أجل مواصلة التطور والإبداع ، وصولآ للغاية المرتجاة من كدح سير الإنسان الصالح العامل في المسيرة الحضارية ….
وحقيقة تصعيد النسبي الى المطلق … هي مجرد عملية تصعيد ذهني وقناعة تفكير ذات تبحث عن مصلحة ، فهي ( هذه العملية للتصعيد ) إضفاء قدرات وطاقات وإمكانات ووجودات خيالية لا واقع لها ؛ وإنما هي تصور ذهني مجرد ، الى النسبي المجرد عنها ، والخلو منها ، والمفتقرها ، ليكون مطلقآ شاملآ لما للنفس الأمارة بالسوء والإنحراف من تأثير وتسبيب ، لحركة تصور محض فرض خيال على أنه واقع وحقيقة ، فيتخذ من النسبي إلاهآ مطلقآ شاملآ ، يستند اليه مد عون ، وإمداد وقود وطاقات وقدرات وإمكانات لمواصلة تطور السير الحضاري للإنسان وفقآ وإنسجامآ لما يتلقاه من موؤن وتزويدات من النسبي ، على أساس أنه المطلق خيالآ وإحتساب رغبات إنسان متطلعة متشوقة متأملة موعودة ….. ، وحقيقة تلك الرغبات والأشواق أنها لا تعبر عن حقيقة وجود واقع ؛ وإنما هي أحلام يتخيلها الإنسان ، وطموحات مستقبل يوتوبيا مجنح حالم طائر ….. والواقع والتصديق ليس هما الخيال والتصور ….، وذلك لأن للتصديق وجودآ واقعآ موضوعيآ ملمومسآ محسوسآ ؛ ولم يكن للتصور ذلك الوجود الحقيقي الواقع المحسوس الملموس ، لأنه مجرد تجريد في الذهن لخيال تصور وتمني ……
والذهن البشري يتصرف على شكل مراحل ، أو قل أنه تمر عليه مراحل وفترات تجعله يتصرف وفقآ وإنسجامآ مع تلك الفترة والمرحلة ، فلما تحث النفس الإنسانية بما هي رغبات ومشتهيات وتشوقات وأماني ، الذهن البشري على أن يتصرف مع الأشياء على أساس التصور المجرد ، اللاحقيقة وجود له على أرض الواقع ، فيسبغ الذهن البشري على الشيء إضفاءات وخواص وإختصاصات ، ويمنحه تجريد تصور تفكيرآ خياليآ حالمآ ، قدرات وطاقات وإمكانات ، تجعل من النسبي مطلقآ ، توهم خيال وتفكير مجرد من حقيقة وجود واقع موضوعي في الحياة ، ليتخذه مطلقآ وهمآ وإيهامآ …. . والإنسان الذي يغلو في الإضفاءات والتوصيفات قصدآ وعمدآ ، هو من أجل أن يبرر إنتماءه لهذا النسبي ، على أنه المطلق الشامل الذي يرعى ويستوعب مسيرته الحضارية صعودآ وإرتقاءآ وإبداعآ وإستمرارآ وديمومة وإشراقآ ونماءآ وثراءآ . وكل هذا الذي يعمله الإنسان ( أو المجموعة ، أو الفئة ، أو أي إجتماع ) هو منطلق من حاجة تقتضيه ، وضرورة يعمل عليها ( وتقتضيهم ويعملون عليها ) ليضمن ( ويضمنوا هم ) إستمرار المصلحة غير المشروعة التي يعود نفعها اليه ( واليهم ) . وهذا ما يفعله الآن في واقع حالنا الحاضر ، وخصوصآ في العراق ، السياسيون الفاسدون ، والحزبيون المنحرفون ، وكل من يسير في ركب تصرفهم الحكومي المسؤول من أشخاص ومجموعات ، الذين يوحدهم قطف ثمار المصالح اللامشروعة نهبآ وسلبآ ، وسرقة وإستيلاءآ ، وإستئثارآ وتفردآ ، على حساب الشعوب ، والشعب العراقي خاصة ، ويقولون نحن نحافظ على سير العملية السياسية ، التي يظنونها ويعتبرونها ، وهم العالمون أنهم الكاذبون المزيفون الحقائق ، أنها هي المسيرة الحضارية للإنسان ، وهم وحدهم بنفوذهم الحكومي المتسلط الظالم القاطفون للثمار ……… والشعب العراقي يتلوى جوعآ ، ويتمرد ألم فقر ، ويتمزق حرمانآ ، مما يستولى عليه من خقوق وإستحقاقات وإختصاصات من قبل الزمر المجرمة الحاكمة المتسلطة ، والشراذم المتجمعة أحزابآ وتيارات عصابات لصوصية ، ومافيات نهب وإجرام وقتل وحرمان وإستيلاء غصب وإستعمار وإحتلال ونفوذ حمى …. والشعب العراقي هو المحروم — من نعم الله المغدقة عليه بركات وفيوضات الله سبحانه وتعالى مننآ وتأمين إستحقاق عيش كريم عزيز لخلقه ” الشعب العراقي ” — غصبآ ، وظلمآ ، وعدوانية ، وحاكمية دكتاتورية ، وتسلط إجرام من قبل ذات مسؤول مجرم منحرف ، وإجتماع أحزاب وتيارات وتجمعات …..
وهؤلاء الحاكمون الطغاة الذين يتخذون من النسبي – ضمانآ للمصالح اللامشروعة – مطلقآ ، وأنهم يستمدون منه التشريعات والأحكام والقرارات والقوانين ، ومباديء القيم الأخلاقية في التعامل والتصرف … كذبآ وزورآ ، وخداعآ وتبريرآ …. وهؤلاء هم الذين عمرهم العبث المجرم اللئيم ، وزمنهم الحاكم الطاغوتي المتسلط الناقم محدود ، ومقيد بأجل مسمى ، وأنهم الى زوال عاجل ، إن شاء الله سبحانه وتعالى ….
وإذا سألتني كيف يكون هذا ، وما هي علاقة الربط بين النسبي والمطلق من جهة ، وبين السياسيين والحزبيين من جهة أخرى …. ؟؟
أقول لك أن السياسيين والحزبيين قد إتخذوا من النسبي الذي هو الحزب والمنصب وصيروه مطلقآ ، ونسجوه شاملآ ، تبريرآ لإنتماءهم اليه ، وأنهم قدموا ولاءهم الكامل التام المطلق له ، لتأمين المصالح اللامشروعة لهم ، من خلال ذلك النسبي الذي مدهم … ، وخولهم … ، وأباح لهم ( وهم الكاذبون المزورون ، المتصورون وحدهم ذلك … لتبرير أعمالهم الشيطانية المنحرفة ، وإجرامهم ونهبهم ، وسرقاتهم وظلمهم ، وطغيانهم المتفرد وتسلطهم الوحشي الناقم ) ……
وهذا النسبي المتمثل بالجهة الذي هو نوع من أنواع الإرتباط ( التي منها هنا الذي تطرقنا اليه توضيحآ ، الحزب والمنصب ) هو من مفردات ونماذج الإلاه النسبي الذي يتخذ مطلقآ ، لضمان المصالح اللامشروعة للمنتمي الذي يتعبده من خلال هذا الإرتباط المنحرف ، الذي يحول الدمية النسبية الملهاة المصطنعة إلى إلاه مطلق شامل مستوعب للمسيرة الإنسانية الحضارية …. والذي هو المنتمي المستأثر المتفرد طغيان إرتباط منحرف ، بثمار وإمتيازات وهبات وأعطيات ونهوبات وسرقات وإختلاسات وإستيلاءات ، وما الى ذلك من ظلامات وعشوائيات وفذلكات لصوصيات ودهاليز مكر وخداع وغدر وإستئثارات ، وكلها هذه … بفضل الإنتماء — الكاذب الغاش المنحرف المكيافيلي الطريقة من أجل ضمان المنفعة اللامشروعة ، وتحقيق المصلحة الحرام …. — الى النسبي المخلوق الضعيف الممكن المصطنع ، إنحراف رغبات وشهوات وتشوقات ، الذي يتلاعب به من قبل المنتمي — الذي يستند اليه مد عون ثمار — من أجل التبريرات والمسوغات التي تجيز التصرفات …..
فلا تعجب لما ترى السياسيين العراقيين ، والمنتمين للأحزاب والتيارات والتجمعات السياسية العراقية ، أن يتصرفوا بظلم وإجحاف ، ولؤم وإنحراف ، وطغيان وإجرام ، وحرمان وإنتقام ، وإستئثار وإنفراد ، ولصوصية ومافيات ، وما الى ذلك من نعوت وتوصيفات ….. وذلك لأنها هي هذه حقيقة الإنتماء ، وهذا هو واقع الولاء الى النسبي الذي يصير من قبل الإنسان المستفيد تلبية شهوة ورغبات نفس أمارة بالسوء ، — والذي هو الإنحراف عن خط إستقامة الإرتباط الصالح الواعي بالمطلق الحقيقي — مطلقآ ….. هواءأ … ، وهوى … ، وعلى المزاج …
حسن المياح – البصرة .