بقلم : كاظم فنجان الحمامي …
السخرية من مفردات بطاقتنا التموينية هي ذرة الملح التي تجعل ما تقدمه إلينا وزارة التجارة مستساغاً. فما بالك إذا كان ملح الطعام هو المادة الجديدة التي يقولون ان الوزارة ستضيفها الى تلك المفردات التي لا تسمن ولا تغني من جوع ؟. ربما جاءت مبادرتها ومكرمتها الملحية حتى لا تتفسخ المواد في ثلاجاتنا المُعطلة بسبب انقطاع التيار الكهربائي، فزودتنا بالملح المستورد لكي نرشه على طعامنا، ويرى آخرون ان رش الملح في البيت ينفع لإبطال الحسد وهو من الأمور المُجربة، ولكن من يُصلِحُ الملحَ إذا الملحُ فسد ؟. أو (إذا تلف الملح بيش أنملح) ؟. .
وربما اختارت الوزارة مادة (الملح) لكي تقتفي اثر الزعيم الهندي (المهاتما غاندي) في مسيرته التي قادها عام 1930 متحدياً ضريبة الملح التي فرضها البريطانيون، قاطعاً مسافة 400 كيلومتر في 24 يوما. أو أن الوزارة فكرت بدخول التاريخ من أوسع أبوابه، فسارت على خطى مارك كيرلانسكي بكتابه (Salt: A World History)، فمنذ فجر التاريخ وصولا إلى القرن التاسع عشر، كان الملح هو المادة الأعز، التي بذل الإنسان جهودا مريرة للحصول عليها على مر العصور. .
ومع ذلك لا توجد مادة على المائدة أرخص ثمناً من ملح الطعام، ولا توجد مادة أرفع منها قيمة بالمقارنة مع بقية المواد الغذائية. ولها قيمة أعز وارفع في التوصيف الرمزي للعلاقات الأخوية الحميمة، وما أكثر الاستعارات في القصائد المكتوبة باللهجة العراقية، من قولهم: (شيفيد الملح والزاد لو وياك ماغزر، ما تسوه العتب يفلان، هيه الدنيا هم تفتر)، أو قولهم: (الملح والزاد ماغزر ولا فاد). وقالت العرب: (حيث أكلت الملح لا تكسر المملحة). .
ختاماً يتعين علينا أن لا نقف صامتين إزاء فشل وزارة التجارة وتقصيرها في توفير مفردات المواد الغذائية للعوائل الفقيرة، وأن لا نلوذ بالصمت ونترك الناس بين محبط ومتشائم، فنحن اليوم في أمس الحاجة للتصريح والابتعاد عن التلميح، وأن لا نكون مثل الذي يرش الملح على الجرح، ثم يعود لممارسة حياته اليومية كأن شيئاً لم يكن. . .