بقلم: د. كمال فتاح حيدر ..
في قلب الشارع الرئيس لمدينة قهرمان مرعش، التي اصابها الزلزال، يوجد نصب تذكاري كبير لرجل بالزي التركي يحمي امرأة تقف خلفه، ويمسك مسدسا بيده اليمنى، ويطلق النار على ضابط فرنسي، ويرديه قتيلاً. .
وقصة هذا النصب التذكاري أنه في يوم الجمعة الموافق 31 أكتوبر 1919، أي بعد يوم واحد من وصول قائد قوات الاحتلال الفرنسي إلى المدينة، أصدر إعلانا ينص على تنحية حاكمها (عطا أفندي). .
ولكي نسلط الأضواء على وقائع ذلك اليوم، نذكر ان الفرنسيين بقيادة De-Fontzine دخلوا المدينة عن طريق مزار شيخ عادل (Şeyh adil Mezarlığı)، وكانوا بحدود 2000 من الفرنسيين والمرتزقة وأبناء المستعمرات. وبمجرد وصول القائد الفرنسي إلى المدينة استدعى أعيانها وهددهم بعبارات بذيئة. فقرر الشيوخ ترك المدينة التي دنسها الغزاة، والتوجه نحو الضواحي والأرياف. وأرتكب الفرنسيون في ذلك اليوم سلسلة من أعمال الشغب في الساحات والشوارع، وعبثوا بالمدينة التي كانت متمسكة بطابعها الاجتماعي المحافظ، فتحرشوا بالنساء ونهبوا المحال التجارية، واساءوا إلى الناس دون تمييز بين صغير أو كبير، ودون إعتبار لرجل أو مرأة، وصادف انهم مروا بحمام أوزونواوك (Uzunoluk) ورأوا النساء يخرجن من الحمام بملابسهن المحتشمة، فهاجموهن على الفور، وأمروهم بخلع الحجاب واظهار مفاتنهن، فصرخت إحداهن بصوت عال، وكانت أكبرهن سناً: (هل من رجل في هذه المدينة يذود عن شرفنا). فصاح الشاب (جقمقجي سعيد): لبيك يا أماه – لبيك يا أختاه، واندفع كما الأسد الجسور نحو الجنود المخمورين، لكنهم اردوه قتيلاً في الحال، ثم اطلقوا النيران على صديقه (جعفر قبول أوغلو عثمان)، الذي هب لنجدته. فسقط جعفر مضرجاً بدمه، وكان صديقهما الثالث، واسمه (إمام) يبيع الحليب (Sütçü İmam)، ومفردة (Sütçü) تعني بائع الحليب، كان يحتفظ بمسدس (ماركة Karadağ)، ويقف في مكان قريب من الحادث. فسارع لإطلاق النار على الجنود الفرنسيين. فاردى أحدهم وأصاب آخرين، وهكذا كانت رصاصات مسدسه هي الشرارة الأولى للمقاومة الوطنية في الأناضول. .
لقد قتل الشاب (إمام) جندياً فرنسياً وجرح آخرين، ثأر لمصرع صديقه سعيد، وأنقذ نساء مدينته من الاعتداء. فشن الفرنسيون حملة ضارية ضد الاتراك. بدأوا بمهاجمتهم دونما تمييز، ثم قتلوا الشاب (تيكلي أوغلو قادر)، الذي كان مقرباً من الصديقين (سعيد و إمام). كانت شجاعة الشاب (إمام) حدثاً نموذجياً شجع مصطفى كمال باشا على مواصلة الكفاح المسلح من أجل الاستقلال. وكتب (إمام) اسمه في سجلات المقاومة الوطنية. وصار رمزاً للمروءة والشهامة. وهو الآن يقف شامخاً وسط مدينته التي حررها من الغزاة. .
وتم تخليد ذكراه عن طريق إطلاق اسمه على جامعة قهرمان مرعش عام 1992 وذلك تثميناً لدوره البطولي في تحرير ولاية مرعش من الاحتلال الفرنسي. هذا إلى جانب إنشاء تمثال يحمل اسمه (إمام سوتجو محرر ولاية مرعش)، وأصبحت قصة هذا البطل تُدرس في المدارس التركية حتى يومنا هذا. .