بقلم : هادي جلو مرعي ..
في الحياة الديمقراطية تشبه التصريحات والمواقف حرية المواطن في الشكوى عند مركز الشرطة، وعلى المركز أن يستقبل الشكوى حتى وإن كانت كيدية الى أن يتبين الأمر لاحقا مع التحقيق، فإذا ثبت بطلان الدعوى عوقب المشتكي بتهمة إزعاج السلطات، أو البلاغ الكاذب، والفرق إنه في السياسة لايؤاخذ السياسي بتصريحاته التي يبتغي من ورائها مداعبة مشاعر الجمهور، والوصول الى الشهرة، والحصول على مكاسب سياسية وإعلامية وإنتخابية لأنه في السياسة لابلاغ كاذب، ولاإزعاج للسلطات، وماعلى السياسي إلا أن يتحدث بما شاء، فليس مهما إشتعال الشارع، ولاالفتنة، ولاتعميق المشاكل ووصولها الى الذروة، والتصعيد المعطل لحركة الحياة والمجتمع، ومايترتب على ذلك من فوضى، وتأخير للمشاريع والخدمات العامة، بينما يتنقل السياسي من مكان لآخر سعيدا بملاحقة الفضائيات له، وإستضافته في المحافل ليهذي كيف يشاء، وهو في غاية السعادة والزهو، فهو ليس مواطنا مغلوبا على أمره ينتظر الفرج ولسان حاله يردد:
يمتى الفرج ياربي
عانينا من عقدة تشكيل الحكومة، ويبست شفاهنا وهي تلهج بالدعاء بعد أن تعكرت الأجواء، وإنتشرت التصريحات من كل حدب وصوب، وفشلت تحالفات، ومن ثم جرت مفاوضات معمقة، وزيارات بين أربيل وبغداد، ووصلنا الى مرحلة تفاهمات جيدة تطلبت الوقت والجهد والتنازلات المتبادلة، والبحث في سبل التقارب، والوصول الى حلول للمشكلات العالقة في قضايا عدة يعرفها القاصي والدان، وجرى البحث فيها دون الوصول الى توافقات كاملة، لكننا وجدنا أن التجربة كانت مميزة حيث تشكلت حكومة بدعم مباشر من أربيل، ومن رئيس الحزب الديمقراطي الكردستاني مسعود البرزاني، وقوى الإطار التنسيقي، والقوى السنية، وبدأت الحكومة بخطوات إيجابية مقنعة ولدت إرتياحا لدى الشارع، وخففت الإحتقان، وأعلنت عن حزمة إجراءات إقتصادية، وبعضها لمحاربة الفساد، وترتب على ذلك إرتياح دولي نتج عنه تواصل العراق مع محيطه العربي والإقليمي، وبدأت سلسلة مؤتمرات وإجتماعات وتنسيق متبادل، وأمل في مستقبل مختلف.
اليوم، ونحن نقترب من لحظة التصويت على الموازنة العامة المنتظرة فإن مواقف صدرت من أطراف سياسية في بغداد جعلت القلق هو هاجس المراقبين والمتابعين، وكأنها طعن بجملة إتفاقات سابقة بين المركز والإقليم، وبدا إن بعض تلك المواقف، وماصحبها من تصريحات متشنجة قد تأخذ بالأمور الى التأزيم، وحبس العراقيون أنفاسهم بإنتظار أن يتصاعد الدخان الأبيض من البرلمان العراقي لتجد الموازنة طريقها الى التنفيذ، وتذهب الأموال حيث يجب أن تذهب ليتحقق المزيد من العمل والإنجاز، ومغادرة دائرة الفشل والضياع، والصبر على المعاناة التي إستمرت لسنين طويلة دون نهوض حقيقي وإعمار وإزدهار وبناء للوطن والإنسان وتلبية متطلباته، ونحن بحاجة اليوم الى تنفيذ الإتفاق السياسي الذي عقد بين المركز والإقليم قبل تشكيل الحكومة، وإكمال مايتطلبه ذلك الإتفاق دون تجاهل مستحقات كل مدينة، وكل وزارة، وكل مرفق. فالموازنة حق للجميع لاينبغي منعه عن أحد، أو تجاهل المطالب المشروعة في ذلك، ولاينبغي إلقاء اللوم في الفشل على الآخرين، بينما الفساد والمحسوبية هي التي ضيعت حقوق المحافظات المحرومة، وليست جهات آخرى يجري الترويج لتحميلها مسؤولية لاتقع عليها، بل أثبتت نجاحا في إدارة الأمور، وترسيخ العمل الجاد، وتحقيق المكاسب المرجوة.