بقلم: كمال فتاح حيدر ..
لكل بلد من بلدان العالم حدوده الشمالية والجنوبية والشرقية والغربية. ولكل حكومة قواتها المعنية بحماية حدودها ومراقبة ثغورها ومنافذها ومعابرها. وبالتالي فان اهتماماتها الأمنية بالحوادث التي تقع على خطوط التماس ينبغي ان تكون متوازنة ومتساوية ومتعادلة، ولا فرق بين الاتجاهات الجغرافية في حسابات الاستقرار الأمني، وفي حسابات الامتدادات السيادية. .
خذ على سبيل المثال جمهورية مصر العربية، التي يقع قطاع غزة على حدودها الشمالية الشرقية، فالمسافة بين الأراضي الغزاوية والأراضي المصرية تساوي (صفر). وبالتالي فان الحوادث الدامية التي تمر بها غزة في المرحلة الراهنة لها علاقة مباشرة بالأمن القومي المصري، وكذا بالنسبة للاقتتال الذي تدور رحاه الآن بين الإخوة الاعداء خلف حدودها الجنوبية في السودان، فهو الآخر له علاقة مباشرة بالأمن القومي المصري. وما اكثر المواقف التي أعرب فيها السيسي عن قلقه البالغ بخصوص تطورات الصراع المسلح هناك. .
لكنني فوجئت بمقطع موثق بالصوت والصورة لكلمة للرئيس السيسي خلال تفقده قواته المسلحة بالمنطقة الغربية قبل ثلاث سنوات، قال فيها: (أنه لن يسمح بأي تهديد لأمن حدود مصر الغربية)، مشدداً على أن مدينتي (سرت) و (الجفرة) الواقعتان في منتصف الأراضي الليبية هما بمثابة الخطوط الحمراء التي لا ينبغي المساس بها. على الرغم من ان المسافة بين الحدود المصرية الغربية وبين مدينة (سرت) الليبية تزيد على 940 كيلومترا. وتبعد عن القاهرة حوالي 1600 كيلومتراً. فمن غير المعقول ان يرنو السيسي ببصره نحو ابعد نقطة خارج حدود بلاده الغربية بأكثر من 900 كم، ولا يلتفت الى حدوده الشرقية التي تعرضت وتتعرض الآن للقصف الاسرائيلي المباشر في سلسلة مكثفة من الغارات الصاروخيّة المقصودة والمدمرة ؟. والتي كان آخرها فجر هذا اليوم الجمعة الموافق الخامس عشر من ديسمبر حيث استمرّت العمليات الإسرائيلية البريّة على الخط الحدودي الفاصل بين مصر وغزة. في هجوم غير عادي شنه جيش الاحتلال على طول الحدود بين مصر وقطاع غزة، وذلك بهدف السيطرة على محور (فيلادلفيا)، وبزعم تدمير الأنفاق التي تستخدم لتهريب الأسلحة للمقاومة الفلسطينية. .
تجدر الإشارة ان محور فيلادليفيا (أو محور صلاح الدين) يمتد من البحر المتوسط شمالا حتى معبر كرم أبو سالم جنوبا، بطول الحدود المصرية مع قطاع غزة، والتي تبلغ حوالي 14 كيلومترا. من دون ان نسمع اعتراضا أو احتجاجاً أو استنكارا يشجب تلك الهجمات البرية والبحرية والجوية على الحدود الشمالية الشرقية من المسافة صفر، وليس من مسافة 900 كم داخل الأراضي الليبية. . .