بقلم: هادي جلو مرعي ..
غالبا ماكنت أنأى عن الكتابة في القضايا التي تمس عمل نقابة الصحفيين، وكنت أتمنى أن ننتج جيلا صحفيا بمستوى عال من المهنية، وقادرا على كسب القلوب، وأن نصل الى الحال التي يكون فيها الصحفيون منافسين مبدعين وخلاقين دون أن يكونوا أداة طيعة لرغباتهم على حساب الرغبة في تعزيز بنية الصحافة العراقية التي عاشت تجربة قاسية ومرة منذ تأسيس نقابة الصحفيين، وبالطبع قبل هذا التاريخ الذي إبتدأ العام 1958 فقد سبق أن كانت هناك صحافة وقوة تعبير وشجاعة في مواجهة الظلم والفساد والسلطة الغاشمة، وهو تاريخ ممتد منذ صدور أول صحيفة هي الزوراء عام 1869 والتي ماتزال تصدر، وتشرفت بالعمل فيها قبل العام 2003 ولي فيها ذكريات جميلة مع جيل مضى، وآخر كان ينضج بهدوء ويتحدى مصاعب العوز والحصار.
هذه التجربة شبيهة بتجارب البشر في العراق فهي تجربة صعبة ومعقدة تتحد فيها جيوش الإقتصاد والسياسة والفقر والخوف، وتحاصر الصحفيين ومؤسساتهم، ولاتترك مجالا لهم ليتنفسوا، وعادة ماكانوا يسلون أنفسهم بالقول: إنها مهنة المتاعب، فلماذا نتذمر ونشكوا ويصيبنا الضجر؟ علينا أن نستمر دون توقف وبعد العام 2003 إنتهى زمن وإنطوى جيل، وجاء جيل جديد مختلف واجه الموت في أيام عصيبة معقدة، وكان الصحفيون عرضة للقتل بدم بارد على خلفية الإنتماء الطائفي، ووجود مجاميع مسلحة قد تقتل لأي سبب، ودون تردد، ولكن مسيرة العمل الصحفي شقت لها طريقا بين أكوام الجثث، وقنابل الترهيب، ومشاكل السياسة، والإجتهاد الخاطيء، ووصلت الى حيث شاطيء يرى من خلاله الصحفيون أن هناك عملا وبناءا ومسؤولية وتحديات تتطلب الفصل بين الرغبة في الولوج الى عالم المكاسب الشخصية وبين تطوير العمل الصحفي والوصول الى حالة الرقي في التفكير والعطاء والمنافسة وليس الإنتهازية والإبتزاز والعيش بنظام (الخاوة) أي تعطيني أكون حباب، تختلف مع أكون عليك عذاب.. فتغيب مفاهيم الإحترام والمنافسة الشريفة ليكون الخوض في تفاصيل لاعلاقة لها بالصحافة، ولاينتج عنها سوى تعطيل العمل الصحفي، والرغبة في التطوير والمشاركة في تنوير الرأي العام.
أحاول إستجلاء آراء زملاء وأصدقاء لديهم تصورات مختلفة ومتعددة، وتتأثر ببيئة العمل الصحفي الضاغطة عن النقابة وعملها، وعن نقيب الصحفيين الأستاذ مؤيد اللامي الذي يحتفظ بعلاقات طيبة مع عديد الزملاء الذين أخذ بعضهم بمهاجمته والتشهير به، وبعضهم يمكن أن يكون الرد عليه سهلا، فهناك خطايا وأخطاء وشبهات تحوم حول كيان بعض الزملاء من الذين إتخذوا مسارا آخر، وفجأة وكانوا على علاقة جيدة بالنقيب، لكنهم تغيروا، وتحولوا الى مشهرين لأسباب غير موضوعية خاصة وإنهم يمكن وصفهم بأنهم في مرمى نيران النقد والإتهام، وكان ممكنا جدا الخوض في بعض التفاصيل دون الوصول الى هذا المستوى من الإنزياح نحو التشهير والتسقيط، وإثارة أفكار لن تجديهم نفعا بالرغم من إمكانية إستخدامها للتشويش وتكدير الخواطر، وترسيخ الضغائن، وتقسية القلوب غير إنها في النهاية منتهية الى نهاية يطبعها الفشل في تحقيق الغايات، ونحن نرى إن الإبداع المستمر والعطاء والنقاش الهادف هو السبيل الى تنمية العمل الصحفي، ودعم نقابة الصحفيين كمؤسسة متطورة ومتحفزة وناضجة هو الخيار الأمثل، ويمكن أن تنتج الكثير من المكاسب للأسرة الصحفية خاصة وإن أساليب الهدم يمكن أن تؤثر على الجميع، وتعطل مسيرة العمل الصحفي التي حققت تقدما كبيرا مع تبوأ العراق منصب رئاسة إتحاد الصحفيين العرب، وحجم الإهتمام بالصحافة والإعلام في العراق، وتعاظم الشعور لدى فئات سياسية ونخبوية إن الصحفيين ليسوا هامشيين، بل هم قوة جبارة مؤثرة يمكن أن تغير المعادلة، وتحكم المشهد العام لوجود عناصر قوة، وآليات لايملكها السياسي والنخبوي.
عندما تكون الأهداف شخصية لايعود من نفع على الأسرة الصحفية، بل يتم إشغال الرأي العام الصحفي والأسرة الصحفية، وندخل في دوامة من الخلافات غير المجدية، والصحيح هو تقديم الدعم لهذه المؤسسة العريقة لتكون في طريقها الى مستقبل أكثر حيوية خاصة ونحن نرى حجم الإهتمام الرسمي والشعبي بالصحافة والصحفيين، ومايبث من تقارير وأخبار ومقالات رأي صارت جزءا فاعلا من عوامل التأثير وصناعة التغيير، وليكن تفكيرا في تنضيج عوامل الدعم وليس الهدم.