بقلم : هادي جلو مرعي ..
قد يجيء العذاب ويصيب جماعة من الناس، أو أمة من الأمم، ولايتعداهم الى أمم أخرى، ولاينتشر في عموم البشر ويعم على الناس جميعهم، فيصيبهم بالهلاك، وهذا هو المعروف من قراءة التاريخ.. فالأمم التي عصت الله كانت قليلة العدد، وفي الجغرافيا قد تكون معزولة ولايعلم بها سواها من الأمم، ونتج العذاب بسبب المعصية لله، أو الكفر به، وممارسة الموبقات، وإنكار الوحدانية،وقتل الأنبياء كما في قصص بني إسرائيل الذين كانوا يعلنون الوحدانية، وكانوا يمارسون المعصية والتمرد على الأنبياء، وإهانتهم، والتعدي عليهم، وقتلهم، والتنكيل بهم، وتكذيبهم، ومعاندتهم، وتحديهم، وطلبهم للمعجزات، ثم ينكرون، ويطلبون المزيد منها، ونزلت فيهم آيات من القران كما في قوله تعالى في سورة المائدة.
قل هل أنبئكم بشر من ذلك مثوبة عند الله من لعنه الله وغضب عليه وجعل منهم القردة والخنازير وعبد الطاغوت أولئك شر مكانا وأضل عن سواء السبيل ( 60 ) وإذا جاءوكم قالوا آمنا وقد دخلوا بالكفر وهم قد خرجوا به والله أعلم بما كانوا يكتمون ( 61 ) وترى كثيرا منهم يسارعون في الإثم والعدوان وأكلهم السحت لبئس ما كانوا يعملون ( 62 ) لولا ينهاهم الربانيون والأحبار عن قولهم الإثم وأكلهم السحت لبئس ما كانوا يصنعون ( 63 ).
البعض يقول: جدري القردة بعيد عن البلد الذي نعيش فيه، والأوربيون يعتقدون إنه مرض أفريقي منذ ظهوره في الكونغو سبعينيات القرن الماضي، ولكنني لاأتحدث عن المرض بوصفه وجودا حقيقيا في المكان، فمجرد الخوف منه هو إصابة، وإنتشاره ليس بوجود عدد كبير من المصابين، أو بوجود مصابين في كل الدنيا، فقد نجده في أفريقيا، ولايصل الى أوربا، لكن الخوف منه ينتقل عبر الفيس بوك وشاشات التلفاز، ومع المسافرين في الطائرات حول العالم، وفي الموانيء والسفن والقطارات والهواتف النقالة، وفي كل وسائل التواصل بين البشر، وماكنا لانخشاه لأنه بعيد عنا، صرنا نشعر به بيننا وفينا ويربكنا، ويجعلنا نتحضر له، ونتهيب منه، ونستعد لمواجهته، والبحث عن اللقاحات التي قد تقينا شروره بالرغم من كونه ليس قاتلا تماما، لكنه ينتقل عبر وسائل مختلفة منها الإتصال الجسدي المباشر، وتظهر أعراضه بطريقة تشبه الإصابة بالإنفلونزا، وتنتشر البثور والقيح على الجسد، وقد يشفى منه المصاب لاحقا، وربما تسبب بالوفاة.
في عصرنا الراهن تشابهت أفعالنا، والطغيان والتعدي الذي كانت تمارسه أمه، أو جماعة في الأزمنة السحيقة، وكانت تستدعي العذاب العظيم كما في حال قوم لوط وأصحاب الرس والأيكة، والذين طغوا في الأرض كثمود وعاد، والذين دمرهم السد والطوفان هذا الطغيان تجاوز الجغرافيا، وصار عابرا للحدود، ومنتشرا في أنحاء الأرض، وإذا كان الشرور في مكان يقابله الخير في مكان يبدو وكأنه يعم وينتشر بقوة، ولايتورع عنه الناس، فالجميع تستهويه رغبة النفوذ والهيمنة والسلطان والتعدي والفساد والنهب والظلم والإبادة الجماعية والنفاق والكذب، وقد طبعت سلوك البشر في كل مكان، وإذا كان الخطاب الرباني لفئة قليلة في زمن مضى، هاهو يتعدى ليشمل الكوكب كله إنتشارا في مكان، وخوفا في كل مكان.
كونوا قردة خاسئين رسالة ربما للبشرية جمعاء، وقد تعدت على قيم الخير والصلاح وحيدت إنسانيتها، وغلبت المصالح المادية على معاني التسامح والمحبة والسلام.