بقلم: د. مظهر محمد صالح ..
واجهتني الصحافة الوطنية قبل ايام بثلاث اسئلة حساسة بشان الموضوع آنفاً والتي نصت على ماياتي:
1-كيف يمكن لقانون نوبك أن يؤثر على سياسات منظمة أوبك؟
2-ما هي الأهداف التي يسعى ترامب لتحقيقها من خلال تفعيل قانون نوبك؟
3- كيف يمكن أن يؤثر تفعيل قانون نوبك على الاقتصاد العراقي الذي يعتمد بشكل كبير على صادرات النفط؟
وبناء على ما تقدم يمكن القول ان
الجمهوريين قد وضعوا على رفوف مجلس النواب الامريكي مشروع قانون نوبك (NOPEC) و هو اختصار لـ “No Oil Producing and Exporting Cartels Act”، وهو مشروع قانون أمريكي تم اقتراحه لمكافحة التكتلات الاحتكارية في أسواق النفط العالمية، وبالأخص منظمة الدول المصدرة للنفط (أوبك). يسعى هذا القانون إلى تمكين الولايات المتحدة من اتخاذ إجراءات قانونية ضد الدول أو المنظمات التي تُمارس سياسات تعُد ممارسات احتكارية تؤدي إلى رفع أسعار النفط بشكل مصطنع.
وعلى الرغم مما تقدم ، فان
ما اراه ان التوازنات التي تقيمها منظمة اوبك والتي تقضي بامتصاص تهديدات التشريع في اعلاه ولاسيما في فترة الرئيس ترامب تاخذ اتجاهين :
الاتجاه الاول : ان عملة ابتياع نفوط دول الاوبك هو دولار الولايات المتحدة الأمريكية وان سياسة بلدان اوبك بهذا الشان في استخدام البترو دولار امر يتماشى والحفاظ على الهيمنة النقدية للدولار الامريكي ، وان الطلب على الدولار لاغراض التجارة النفطية في سوق الطاقة يمثل ما لايقل عن 10% من الطلب على الدولار في التجارة العالمية وهو امر لا تضحي به الولايات المتحدة ، فضلا عن انعكاس حيازة الدولار على الاستثمار والتجارة السلعية وبناء الاحتياطيات الأجنبية بنسبة مماثلة.
كما ان المحاضرة التي اجراها الرئيس المنتخب ترامب في النادي الاقتصادي في مدينة نيويورك قبل اسابيع قد شددت في الحفاظ على المكانة الدولية للدولار في الاقتصاد العالمي وعده اداة هيمنة لا تقل عن الهيمنة العسكرية الامريكية والهيمنة التكنولوجية بما في ذلك الذكاء الاصطناعي.
ولايخفى ان الرئيس المنتخب دونالد ترامب قد طالب نهار يوم السبت الموافق 30 تشرين الثاني 2024 مجموعة من الدول النامية بالالتزام باستخدام الدولار الأمريكي كعملة احتياطية لها وهدد بفرض تعريفة كمركية بنسبة 100 في المائة إذا ما حاولت التخلي عنه.
وكتب ترامب على منصة التواصل الاجتماعي الخاصة به Truth Social: ” فكرة دول بريكس التي تحاول الابتعاد عن الدولار بينما نقف مكتوفي الأيدي نشاهدها قد انتهت كما يقول”، في إشارة إلى اختصار المجموعة الأصلية من دول الكتلة – البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب إفريقيا. …ومنذ ذلك الحين توسع التحالف الجيوسياسي ليشمل إيران ومصر وإثيوبيا والإمارات العربية المتحدة.اذ يقول ترامب ايضاً :
“نحن بحاجة إلى التزام من هذه البلدان بأنها لن تخلق عملة جديدة من بريكس، و ان لا تدعم أي عملة أخرى لتحل محل الدولار الأمريكي العظيم أو أنها ستواجه تعريفات بنسبة 100٪، ويجب أن تتوقع أن تقول وداعاً للبيع في الاقتصاد الأمريكي الرائع”.
اذ ناقش مسؤولون من دول بريكس الابتعاد عن الدولار الأمريكي في السنوات الأخيرة بما في ذلك في قمة بريكس 2024 الشهر الماضي. حيث اكتسب هذا المفهوم زخماً في عام 2022 عندما فرضت الولايات المتحدة عقوبات اقتصادية ضخمة على روسيا بسبب حربها في أوكرانيا.
منوهين ان مجموعة البريكس لا تزال تعمل على دراسة فكرة العملة الجديدة، ولم يتم اتخاذ خطوات عملية كبيرة حتى الآن. ومع ذلك تعكس تصريحات ترامب التهديدية قلقًا أمريكيًا حقيقيًا من أي تغييرات قد تؤثر على هيمنة الدولار عالميًا.
اما الاتجاه الثاني، فان الولايات المتحدة الأمريكية نفسها وعبر احتكاراتها النفطية تعد اكبر منتج للنفط في العالم وبانتاج يومي لايقل عن 15 مليون برميل نفط ، وان تكاليف انتاج النفط الصخري وهامش الربح سيبقى يتولى القيادة السعرية الخفية في سوق الطاقة ، اذ ان نقطة التعادل المريحة break even point التي تحقق التوازن بين التكاليف والارادات في اميركا هي في تقديرنا لاتقل عن 70 دولار ومن ثم فان من المربح والمريح لسياسة الطاقة الامريكية ان لا يقل سعر برميل النفط عن 70 دولار وبخلافه تتعرض الصناعة النفطية الاميركية لخطر الخسارة وتهديداتها.
بعبارة اخرى ، اذا كانت نقطة التعادل هي مستوى الإنتاج أو السعر الذي تكون فيه الإيرادات الكلية مساوية للتكاليف الكلية، بحيث لا يوجد ربح أو خسارة (اي هي النقطة التي يغطي فيها النشاط الاقتصادي جميع تكاليفه، ولكنه لا يحقق أرباحًا إضافية ) فان نقطة التعادل في دول الخليج قد لايتعدى متوسطها 12 دولار في اقصى الحالات ، في حين نجد ان نقطة تعادل إنتاج النفط الصخري في الولايات المتحدة مازالت تعتمد على عدة عوامل، مثل الموقع الجغرافي والتقنية المستخدمة وتكاليف التشغيل والضرائب.
وبشكل عام، تتراوح نقطة التعادل لمعظم مشاريع النفط الصخري بين 40 إلى 50 دولارًا للبرميل.
وفي بعض المناطق ذات الكفاءة العالية مثل حوض بيرميان (Permian Basin)، يمكن أن تكون نقطة التعادل أقل من ذلك، ربما حوالي 30-40 دولارًا للبرميل. أما في المناطق ذات التكاليف الأعلى أو الحقول الأقدم، فقد تصل إلى أكثر من 60 دولارًا للبرميل.
من المهم أن نلاحظ أن هذه التكاليف ليست ثابتة، فهي تتغير مع التطورات التكنولوجية وارتفاع أو انخفاض تكاليف التمويل والخدمات اللوجستية.
وفوق هذا وذاك ، فان معظم بلدان اوبك هي بلدان حليفة مباشرة وغير مباشرة للولايات المتحدة الاميركية، كذلك فان الجمهوريين هم اليوم من غير المتحمسين لقضايا التلوث ومشكلات البيئة و اتفاقية باريس للمناخ التي يرونها (بدعة ) لا قيمة لها على خلاف سياسة الديموقراطين في تبني قضايا البيئة والتلوث التي تعد واحدة من ابجديات الحزب الديمقراطي وجداول اعماله الانتخابية.
و بناء على ما تقدم فان سياسات OPEC المستقرة ككارتيل نفطي مقبول أمريكيا ً يمثل نمطا من انماط توازن ناش Nash equilibrium في نظرية الالعاب في علم الاقتصاد ، اذ ياتي انضباط اوبك سعريا وكمياً يتماشى ونوايا التهديد المبطن لمشروع قانون NOPEC القائم على استقرار الربح في السوق النفطية الامريكية ولاسيما انتاج النفط الصخري الباهض التكاليف.لذا سيبقى مشروع نوبك اداة تهديد وفرض الانضباط على سياسات اوبك في الامدين القصير والطويل.
مشيرين الى ان لتوازن الناش (Nash Equilibrium) بكونه مفهوم (في نظرية الألعاب) يصف حالة استقرار داخل لعبة النفط الاستراتيجية، حيث لا يملك أي لاعب دافعًا لتغيير استراتيجيته إذا بقي اللاعبون الآخرون ثابتين في استراتيجياتهم.
بمعنى آخر، هو الوضع الذي يكون فيه كل لاعب قد اتخذ أفضل قرار ممكن بناءً على قرارات الآخرين…وهذا ما يمكن توقعه من توازن الصراع بين بقاء منظمة اوبك و تهديدات نوبك في نطاق( الترامبية الجديدة -New trumpism ) التي ستدشن عهدها في ممارسة السياسة الدولية ابتداءً من كانون الثاني 2025.
ختاماً، يمثل الطلب على النفط عاملاً أساسياً في تعزيز الطلب العالمي على الدولار الأمريكي، نظراً لأن التجارة العالمية للنفط تعتمد بشكل رئيسي على الدولار، وهو ما يُعرف بـ”البترودولار”. هذا النظام نشأ نتيجة اتفاقيات تاريخية بين الولايات المتحدة والدول الرئيسية المنتجة للنفط، حيث يتم تسعير وبيع النفط بالدولار في الأسواق الدولية، مما يعزز مكانته كعملة الاحتياطي العالمي.
ختاماً ، يمكن القول إن الطلب على النفط يعزز الطلب على الدولار بطريقتين رئيسيتين:
اولاً: المدفوعات النفطية: بما أن غالبية الدول تستورد النفط بالدولار، فإنها تحتاج إلى الاحتفاظ باحتياطيات من هذه العملة لتسوية المعاملات، ما يزيد من الطلب على الدولار.
ثانياً : تدوير العوائد النفطية: فالدول المصدرة للنفط غالباً ما تستثمر عوائدها بالدولار في أسواق المال الأمريكية أو تستخدمها لدعم وارداتها، مما يعزز تدفقات الدولار في الاقتصاد العالمي.
وعلى الرغم من وجود توجهات نحو تنويع العملات المستخدمة في تسعير النفط، مثل اليوان الصيني أو اليورو، فإن الدولار لا يزال يهيمن بشكل كبير، مما يجعله ركيزة أساسية في النظام المالي العالمي، مدعومًا بطلب ثابت مرتبط بتجارة النفط.