بقلم: كمال فتاح حيدر ..
من مفارقات امتنا انها ظلت متحاملة منذ قرون ضد رموزها القومية والعلمية والفقهية والأدبية، ومنحازة إلى حد بعيد للطغاة والمجرمين والمارقين الذين قبحوا وجه التاريخ بإعمالهم ومواقفهم المشينة. .
اللافت للنظر ما تنشره الصفحات المتطرفة التي تتعمد الاساءة لخاتم الأنبياء والمرسلين. وقولهم: ان أبوي النبي كافران، وان النبي (ص) قد سُحر، وان عمه ابو طالب في النار، وما إلى ذلك من الطعنات المقصودة التي فيها إيذاء للرسول الأعظم. (إن الذين يؤذون الله ورسوله لعنهم الله في الدنيا والآخرة واعد لهم عذابا مهينا). لقد اصطفاه الله جل شأنه، فالمصطفى لابد ان تكون اصوله نقية طاهرة مطهرة. .
بينما تجد الغالبية العظمى يقدسون ويعظمون ويمجدون ملوك وسلاطين الدولة الأموية والعباسية والبويهية والفاطمية والمملوكية والعثمانية، على الرغم من كل ما قاله المؤرخون فيهم، ووصل الغلو بهذه الامة إلى تعظيم شأن ولاة الأمور في حياتنا المعاصرة، ووجوب طاعتهم حتى لو ارتكبوا ابشع الفواحش والانتهاكات امام الناس في عروض تلفزيونية مباشرة. .
قبل قليل كنت اقرأ تعليقات على صفحة رجل سعودي يعمل الآن في التدريس ويحمل أسم: (الحجاج بن يوسف الثقفي)، فجاءت جميعها داعمة لهذا المدرس المتفاخر باسمه لأنه مطابق لاسم الحجاج، الذي كان من ابشع ولاة الدولة الدموية. وأكثرهم بطشا وإجراما. .
يروى أن عبد الملك بن مروان قال له في ساعة صفاء: صف لي نفسك يا حجاج، فرد عليه قائلا: (أنا حقود حسود ولا أعرف رجلا أشد مني إقداما على الدم). .
كان الحجاج الثقفي ينقم ويسخر من المسلمين الذين يزورون قبر النبي عليه السلام. ويقول: (تبّا لهم إنما يطوفون بأعواد ورمّة بالية، هلاّ طافوا بقصر أمير المؤمنين عبد الملك، ألا يعلمون أن خليفة المرء خير من رسوله). فالحجاج هو الذي رجم الكعبة بالمنجنيق، وهو الذي استباح المدينة المنورة ثلاثة ايام، وقتل جمع غفير من الصحابة والتابعين. ومع ذلك نرى التمجيد والثناء والوفاء لهذا المجرم الذي قال عنه عمر بن عبد العزيز: (لو أن الأمم تخابثت يوم القيامة، فأخرجت كل أمة خبيثها، ثم أخرجنا الحجاج؛ لغلبناهم). .
اشد ما أزعجني في التعليقات انهم كانوا يتمنون عودة الحجاج الآن إلى العراق ونحن في عام 2024 لكي ينتقم من العراقيين كافة. وبعضهم كان يتمنى تكليف هذا المدرس للعمل بدرجة سفير في العراق لكي تكتمل فصول المآسي التي عصفت بنا في كل المراحل التاريخية. .
لقد تصاعدت وتيرة هذه الحملات الاعلامية بالتزامن مع الهجمات الهمجية الوحشية ضد الأبرياء في غزة. نحن في زمن اصبحت فيه قلة الادب من اهم شعارات المعادين للعروبة والإسلام. وشتان بين الأدب وقلة الأدب. فالأدب لا يُباع ولا يُشترى. بل هو طابع في قلب كل من تربى، فليس الفقير من فقد الذهب، وإنما الفقير من فقد الأخلاق والأدب. .