بقلم: د. راقية الخزعلي ـــ أكاديمية عراقية ..
قال تعالى ( ولقد أهلكنا القرون من قبلكم لما ظلموا وجاءتهم رسلهم بالبينات وماكانوا ليؤمنوا كذلك نجزي القوم المجرمين ) يونس الآية ١٣
أُعدت قبل بضعة أشهرٍ قائمة من المرشحين لدرجة سفير ، احتوت على مجموعة اسماء تم ترشحهم عن الأحزاب والكتل السياسية المهمة في الدولة ، لدرجة انها شملت مايزيد عن نسبة ٨٠٪ منها ممثلين عن تلك الأحزاب والكتل و ٢٠٪ الآخرين هم من موظفي الوزارة الذين ثبت انتماء البعض منهم لحزب البعث الصدامي ولأجهزته القمعية بإقرارهم وبكتاب صادر عن هيئة المساءلة والعدالة .
ولقد أوضحت في مقال سابق مخالفة محكمة التمييز لقانون هيئة المساءلة والعدالة بإعفائها لمجموعة من المرشحين عن شمولهم لقانون المساءلة والعدالة ، بحجة عدم ثبوت إثراءهم على المال العام بحكم قضائي مكتسب الدرجة القطعية ، وفي هذا خروج على النص القانوني الذي لم يشترط ذلك ، ولان الإثراء ثابت لهؤلاء ان لم يكن مادي فهو معنوي بسلطة او حصانة او امتياز … إلخ
في مقالنا هذا نود ان نركز على مسالة أخرى في غاية الأهمية ، وهي ان هذه القائمة جاءت مخالفة لإحكام الدستورالعراقي لسنة ٢٠٠٥ ،ولأحكام قانون الخدمة الخارجية رقم ٤٥ لسنة ٢٠٠٨ ، ولقرار المحكمة الاتحادية العليا ذي العدد ٨٩ / إتحادية / ٢٠١٩ بتاريخ ٢٨/ ١٠ / ٢٠١٩ وعلى النحو التالي :-
١- جاءت قائمة السفراء مخالفة لإحكام الدستور في مواده (١٤ ، ١٦ ، ٦١ /خامساً) فنص المادة ١٤ يشير الى مساواة العراقيين من دون تمييزٍ أمام القانون ،أما المادة ١٦ ، فقد اشارت الى تكافؤ الفرص كونه حق مكفول لجميع العراقيين ، وليس فقط للأحزاب والكتل السياسية ، أما المادة ٦١ التي تناولت اختصاصات مجلس النواب ومنها الموافقة على السفراء وأصحاب الدرجات الخاصة ، ( لم تجعل للأحزاب او الكتل السياسية أية سلطة او حق في ترشيح سفراء عنها ) .
٢- جاءت قائمة السفراء مخالفة لإحكام المادة ٩ من قانون الخدمة الخارجية حيث نصت على الآتي :- ( يعين السفير بمرسوم جمهوري بناءً على ترشيح الوزير وتوصية مجلس الوزراء وموافقة مجلس النواب ) والفقرة ثالثاًمن نفس المادة جعلت لمجلس الوزراء الحق في تعيين سفراء من خارج السلك الدبلوماسي وبنسبة لاتزيد عن ٢٥٪ من مجموع السفراء … فهذه المواد لم تعط اي حقٍ للإحزاب أو الكتل السياسية بترشيح سفراء عنها ، فبناء على اي نص تم ترشح السفراء في هذه القائمة من قبل الأحزاب والكتل السياسية ؟!
٣- والأهم ، إن قائمة السفراء جاءت مخالفة لنص قرار المحكمة الاتحادية العليا ٨٩/ اتحادية / ٢٠١٩ ، حيث بين القرار { … إن الأحزاب والكتل السياسية لاحق لها في المطالبة بمناصب وكلاء الوزارات ورئاسة الهيئات والدرجات الخاصة في إجهزة الدولة وفق استحقاقها ، وذلك بالاستناد الى نص المادة ٦١ / خامساً من الدستور ……… وليس من بينها القوائم والكتل السياسية ، وإن السير في خلاف مانص الدستور عليه، قد خلق مايسمى ب( المحاصصة السياسية ) في توزيع المناصب، ومانجم عن ذلك من سلبيات أثرت في مسارات الدولة وفي غير الصالح العام ، إضافة لمخالفتها لمبدأ المساواة بين العراقيين الذي نصت عليه المادة ١٤ من الدستور …إلخ}
مع التأكيد هنا أن المادة ٣ / أولاً من قانون الخدمة الخارجية، قدأشا ت الى ان عنوان سفير هو بدرجة ( وكيل وزارة ) ، أي إ ن هذا العنوان يقع ضمن الدرجات العليا الخاصة ،بمعنى إنه درجة خاصة تعلو على درجة ( مدير عام ) .
يتبين لنا من كل ماتقدم ، ان قائمة السفراء قد جاءت مخالفة للدستور ولقانون الخدمة الخارجية ولقرارات المحكمة الاتحادية العليا ، لان القائمة في جلها جاءت عبارة عن ترشح لشخصيات من احزابٍ وكتلٍ سياسية ،التي لاتمتلك في واقع الأمر أية سلطة في مثل هذا الترشيح ، مما أدى ذلك الى مصادرة حقوق وكفاءة وجهود المستقلين عن فرص الترشح ، رغم استحقاقهم لهذه الدرجات وفي هذا. ظلم كبير قد لحق بهم ، يضاف الى المخالفة القانونية الواضحة كما مبين أعلاه .
نؤكد هنا على ضرورة إختيار شخصيات وطنية لها سير ذاتية مشرفة وتدرج وظيفي واضح في السلك الدبلوماسي من الذين التحقوا بوزارة الخارجية مابعد ٢٠٠٣ ، اي بعد قيام النظام السياسي الديمقراطي في العراق ، فهؤلاء هم الذين يستطيعون تمثيل العراق والتعبير عن مواقفه في مختلف المحافل الدولية حقيقةً .
للأسباب أعلاه ولثبوت إنتماء بعض المرشحين لحزب البعث الصدامي ولإنتماء البعض منهم لإجهزة الأمنية القمعية أبان النظام البائد ، وللكيفية المخالفة للدستور وللقوانين ولقرارات المحكمة الاتحادية العليا ، نرجو إعادة النظر في قائمة السفراء المرشحين وأتباع الوسائل القانونية السليمة في الترشح بما يحقق العدالة والمساواة لموظفي السلك الدبلوماسي بما يضمن حماية حقوق العراق أمام المحافل الدولية .